رجل أعمال مثير للجدل، مولع بالشهرة و"الشو" الإعلامي، قدم برنامجاً تلفزيونياً لمدة 12 عاماً، مناهض للمهاجرين، ملاحق بالكثير من التحقيقات والدعاوى القضائية بعضها مرتبط بممثلة إباحية.. ثمة معلومات تكفي قليل الاطلاع على السياسة ليدرك حجم المفاجأة التي حققها دونالد ترامب بانتخابه رئيساً في 2016 ثم عودته "التاريخية" للبيت الأبيض في انتخابات 2024.
ترامب واجه أحداثاً كادت تكتب نهايته السياسية أكثر من مرة
عودة تؤكد من جديد أن كل ما يتعلق بترامب يسير عكس الاتجاه، ففي عام 2016 فجّر الرجل أكبر مفاجأة سياسية في التاريخ الأمريكي الحديث بفوزه برئاسة البلاد إثر تغلبه على منافسته الديمقراطية السياسية المخضرمة هيلاري كلينتون، وبعدها بأربع سنوات، غادر البيت الأبيض إثر هزيمته أمام الرئيس الحالي جو بايدن، وسط أحداث غير مسبوقة، جعلت الكثير من السياسيين البارزين ومراكز الدراسات السياسية ووسائل الإعلام الكبرى تصدر واجهاتها بعبارات من قبيل "ترامب يكتب نهايته السياسية".
لكن الملياردير الجمهوري أبى إلا أن يفجر مفاجأة أخرى أشد وقعاً من الأولى، ليعلن اليوم (الأربعاء)، فوزه بسباق الانتخابات على غريمته المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، لتكون ثاني سيدة يطيح بها في السباق، ويعود مرة أخرى إلى سدة الحكم بالبيت الأبيض، بعد حملة انتخابية شابتها توترات ومحاولتا اغتيال وعدائية غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة.
الرجل البالغ 78 عاماً، والذي واجه أحداثاً أعلنت نهايته السياسية أكثر من مرة، ووُجّهت إليه تهم جنائية، وصدرت في حقّه أحكام وغرامات ومحاولات عزل، بدا اليوم، وكأنه لا يُقهر، عندما استبق النتائج الرسمية، وأعلن عن فوزه بالسباق، وسط مظاهر الفخر بين عشرات الآلاف من أنصاره.
وُلد دونالد جاي ترامب في نيويورك في 14 يونيو 1946، وهو الرابع في أسرة مكونة من خمسة أطفال لأبوين من أصول ألمانية وأسكتلندية، وتلقّى تعليمه في مدرسة عسكرية وانضمّ إلى شركة العائلة بعدما درس الأعمال، وخلافاً للصورة التي يحاول ترويجها عن نفسه، فهو ليس "رجلاً عصامياً" بنى نفسه بنفسه، بل إنه ورث إمبراطورية عقارية بناها والده.
أحب الظهور الإعلامي وعالم المشاهير
خاض ترامب غمار دنيا الأعمال عام 1983، حيث بدأ بتشييد ناطحات السحاب، وأصبحت تسريحة شعره رمزاً للنجاح في الأعمال خلال الثمانينيات، لكنه واجه عدة مصاعب في إدارة مشاريعه العقارية العملاقة خلال التسعينيات، وكاد يشهر إفلاسه خلال أزمة العقارات في 1990 نتيجة ارتفاع قيمة ديونه التي بلغت مليارات الدولارات، لكنه استطاع التغلب على هذه المصاعب والشائعات مجدداً، قبل أن يواجه أزمة جديدة كادت تعصف بإمبراطوريته في 2005 بعد أن سجلت "كازينوهاته" في "أتلانتيك سيتي" خسائر فادحة قبل أن ينقذ مجدداً مجموعته من الانهيار في آخر لحظة.
الملياردير الجمهوري كان يحب الظهور الإعلامي وعالم المشاهير، وقدم لمدة 12 عاماً برنامجاً تلفزيونياً عن الواقع "ذي أبرنتيس" حيث أجرى اختبارات لعدد من المرشحين للالتحاق بشركاته العملاقة، وعرفه الجميع بعبارته الشهيرة "أنت مطرود "، وبدأت شعبيته بالارتفاع لدى قسم كبير من الأمريكيين وكان ذلك يريحه.
وصل ترامب إلى السلطة للمرة الأولى في نوفمبر 2016 في مفاجأة مدوية وفي سيناريو سياسي غير مسبوق قلّما توقّعه أحد، حيث أطاح آنذاك بالديمقراطية هيلاري كلينتون التي كانت كافة التوقعات ترجح كفتها؛ لقيادتها للدبلوماسية الأمريكية لسنوات كوزيرة للخارجية وكونها زوجة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، ومن ناحية أخرى كان الكثيرون آنذاك يرون حظوظ ترامب قليلة كونه مجرد رجل أعمال وليس لديه خبرة سياسية، علاوة على كونه شخصاً مثيراً للجدل.
أبى الرجل أن يكمل مدته الرئاسية دون أن يستمر في مسلسل إثارة الجدل، فخلال السنوات الأربع التي قضاها في "1600 شارع بنسلفانيا" في العاصمة واشنطن، شاهد الأمريكيون، بتعجّب أو صدمة أو خوف أو كل هذه المشاعر مجتمعة، رئيساً متمرداً على كلّ القيود والمعايير.
فترة رئاسية صاخبة تنتهي بالهجوم على الكابيتول
وتحت شعار "أمريكا أولاً"، كان ترامب مرّة تلو مرّة أبعد ما يكون عن الدبلوماسية، كما لم يتوانَ عن اعتماد المواقف المتشدّدة حتى مع حلفاء الولايات المتّحدة، وخاض تصعيداً مع آخرين مثل إيران، ووجّه ضربة قاسية إلى الجهود العالمية لمكافحة التغيّر المناخي بانسحابه من اتفاقية باريس للمناخ.
إثارة الجدل لم تتوقف على تحركاته ومواقفه نحو الخارج، ولكنها امتدت للداخل أيضاً فخلال فترة حكمه، أعاد تشكيل المحكمة العليا، ومنح بذلك المحافظين رافضي الإجهاض انتصاراً مدويّاً، ولم يتردّد في مهاجمة الإعلام، وبدا أكثر تشدداً ضد المهاجرين. ويكفي أنه الرئيس الأمريكي الوحيد الذي وجّه إليه مجلس النواب مرتين لائحة اتّهام وأحاله على مجلس الشيوخ لمحاكمته بقصد عزله.
الملياردير الجمهوري أبى أيضًا أن يترك البيت الأبيض بعد ولايته الأولى دون توتر وجدل وفوضى، بعد الهجوم الذي شنّه أنصاره في أواخر 2020 على مبنى الكابيتول حيث مقرّ الكونغرس بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية والتي أظهرت هزيمته، ما جعل العديد من قيادات وأعضاء الحزب الجمهوري يتخلون عنه لكنه استعاد في أربع سنوات، السيطرة التامة على حزبه.
وبعد خسارته أمام جو بايدن في عام 2020، لاحقته التحقيقات والدعاوى القضائية التي وصفها بأنها "حملة اضطهاد سياسي"، ومن أبرز القضايا ضده اتّهامات بممارسة ضغوط على المسؤولين عن العملية الانتخابية في ولاية جورجيا في 2020، وتحقيق بشأن طريقة تعامله مع أرشيف البيت الأبيض، وقضية ستورمي وليامز، الممثلة الإباحية التي اتهم بمحاولة شراء صمتها.
محاولتا اغتيال أحيتا آمال ترامب في الرئاسة
هذه الاتهامات والملاحقات القضائية لم تثنِ ترامب عن مواصلة المسيرة، إذ أعلن أنه سيخوض سباق الترشح للرئاسة مرة أخرى، في خطوة اعتبرها الكثيرون غير مجدية نظراً للضجيج الذي أثاره الرجل عقب خسارته من بايدن، ونظراً للاتهامات التي تلاحقه أيضاً، إلا أنه أصر على الاستمرار في إثارة الجدل.
وفي 13 يوليو الماضي، تعرض ترامب لمحاولة اغتيال في ولاية بنسلفانيا، حيث أصيب في أذنه جراء إطلاق نار، فيما أكدت التقارير أن الهجوم كان يستهدفه بشكل مباشر، إلا أن الإصابة لم تكن خطيرة، ولم تنتهِ الأمور عند هذا الحد، حيث أعلنت حملته الرئاسية في منتصب سبتمبر الماضي، إحباط محاولة اغتيال ثانية قرب ملعبه للجولف في ويست بالم بيتش بولاية فلوريدا.
وبقيت صورة دونالد ترامب، وهو ينهض عن الأرض مدمّى الوجه خلال محاولة الاغتيال الأولى، من أكثر اللحظات تحدياً في حملته الانتخابية الثالثة، وتحوّلت صرخته، وهو يتوجّه الى أنصاره، بينما يساعده عناصر أمن على الخروج من المكان "ناضلوا، ناضلوا، ناضلوا"، إلى شعار يهتف به أنصاره في التجمعات الانتخابية، معبّرين عن قناعتهم بأن ترامب يفهم واقعهم اليومي أكثر من أيٍ كان.
ومع الانتهاء من فرز أصوات الناخبين في الولايات الأمريكية، يبدو أن شعارات ترامب تحولت إلى واقع، حيث أظهرت النتائج المبدئية غير الرسمية فوز الرجل وإطاحته بغريمته هاريس.