بين اعتداءات أيلول (سبتمبر) 2001 والإعصار «ساندي» 11 عاماً، لكن الكارثة الجديدة قد تكون أكبر وأسوأ. الاعتداءات دمرت برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك بينما «ساندي» يهدد أكثر من 50 مليون أميركي ويضعهم في مهب الريح، ويشل تماماً حركة ولايات الساحل الشرقي، وهو ما أجبر الرئيس باراك أوباما ومنافسه ميت رومني على تعليق الحملات الانتخابية وإلغاء نشاطاتهما قبل سبعة أيام على التصويت، وأدى إلى تعليق التداول في بورصة نيويورك أمس واليوم، وقد يؤدي إلى تعليق الاقتراع الرئاسي في ولايات الساحل الشرقي.

وذلك فيما كثفت القنصلية السعودية في نيويورك والملحقية الثقافية في سفارة المملكة في واشنطن والنادي السعودي في نيويورك الاستعدادات والتدابير لمواجهة أية عواقب محتملة على آلاف الأسر السعودية من المبتعثين في نيويورك الاستعدادات والتدابير لمواجهة أية عواقب محتملة على آلاف الأسر السعودية من المبتعثين في نيويورك وفلوريدا وبقية ولايات الساحل الشرقي للولايات المتحدة من جراء إعصار «ساندي» الذي أجمعت الصحف وشبكات التلفزيون على تسميته «إعصار القرن». وقال الملحق الثقافي السعودي في واشنطن محمد بن عبدالله العيسى لـ«الحياة» أمس إن 12 ألف سعودي من الجنسين يدرسون في الولايات التي يهددها الإعصار «ساندي». 

وحاول الرئيس باراك أوباما إظهار صورة قيادية أمس، عبر التفرغ لرصد العاصفة ووجّه خطاباً إلى الأمة حول جهود الحكومة الفيديرالية، حذّر فيه من أنه «عاصفة ضخمة وقوية» قد تؤدي إلى تداعيات كارثية على شمال شرقي الولايات المتحدة.

وفي كلمة مقتضبة بعد اجتماع أزمة في البيت الأبيض، حض أوباما سكان المناطق التي قد يضربها الإعصار على التزام تعليمات السلطات المحلية بحذافيرها، خصوصاً عمليات الإجلاء، فيما حصر منافسه الجمهوري ميت رومني جولاته في ولاية أوهايو التي سيكون لها الدور الأكبر في حسم السباق.

وهبت رياح «ساندي» على ولايات الساحل الشرقي أمس بسرعة 112 كيلومتراً في الساعة، وهو ما عطل بالكامل حركة الطيران من واشنطن وإليها، وأوقف رحلات مترو الأنفاق في العاصمة وفي نيويورك، إذ أغلق نفق «هولاند»، خوفاً من خطر الفيضانات، كما أغلقت الطرق المؤدية إلى ولاية كونيتيكيت.

وألقت العاصفة بظلها أيضاً على حملتي أوباما ورومني، وأجبرتهما على تعديل برامجهما في الأسبوع الأخير من السباق الرئاسي، وفرضت طوقاً عازلاً على الولايات الحاسمة على الشاطئ الشرقي، وهو ما قد يؤدي إلى تغيير الحسابات الانتخابية.

وعاد أوباما من فلوريدا إلى البيت الأبيض، لرصد حركة الكارثة الطبيعية وإدارة جهود السلطات الفيديرالية، وألقى خطاباً في وقت متتقدم من ليل أمس، لطمأنة الأميركيين. كما ألغى جولات انتخابية كانت مقررة في ولايتي ويسكونسن وفيرجينا، من أجل إظهار صورة قيادية وتفادي تكرار سيناريو إعصار «كاترينا» عام 2005، الذي طبعه فشل إدارة جورج بوش في التحرك وإنقاذ نيو أولينز.

بدوره، ألغى رومني كل نشاطاته الانتخابية في فرجينيا وأوهايو. كما ألغت الأميركية الأولى ميشيل أوباما تجمعاً لها في ولاية نيو هامبشير بعد الإعلان عن إقفال جامعاتها.

وأبلغ الملحق الثقافي السعودي المبتعثين في نيويورك والولايات الواقعة في مسار «ساندي» ضرورة توخي الحذر، واتباع تعليمات السلامة التي أصدرتها السلطات المحلية في كل من تلك الولايات. وأورد في بيان الأرقام الهاتفية التي يمكنهم الاتصال بها في حال الطوارئ، في كل من القنصلية العامة في نيويورك وقسم شؤون الرعايا في السفارة في واشنطن، ولجنة الطوارئ التابعة للملحقية الثقافية.

وقال العيسى لـ«الحياة» أمس: «إن الملحقية الثقافية السعودية في أميركا تواصلت خلال الفترة الماضية مع المبتعثين وحذّرتهم من الإعصار ووجهتهم بضرورة الذهاب إلى مناطق آمنة خلال فترة حدوثه.

وتم إرسال بريد إلكتروني للجميع للتنبيه بأخذ الحيطة والحذر، كما تم تشكيل فريق طوارئ مكوّن من السفارة والقنصلية إلى جانب الملحقية، لمتابعة أوضاع الطلبة وتسهيل إجراءات من يحتاجون إلى إخلاء من منازلهم، والاطمئنان المستمر على الذين سيبقون في منازلهم. وأضاف أنه تم التوجيه بأن تتحمل الملحقية تكاليف الطلبة الذين سيتم إخلاؤهم إلى فنادق موقتاً».

لكنه ذكر أن عدد الطلبة الذين تواصلوا مع فريق الطوارئ وطلبوا إخلاءهم لم يتجاوز 10 طلاب.

ونصح النادي السعودي في نيويورك في صفحته على موقع «فيسبوك» السعوديين بضرورة الاستماع إلى الإذاعات ومشاهدة التلفزيون للحصول على المعلومات، وفصل الأجهزة الكهربائية غير المهمة في المنزل، ورفع درجة حرارة الثلاجة إلى أعلى درجة وإحكام إغلاقها، وإغلاق صمام الغاز، وتعبئة حوض الاستحمام (البانيو) بالماء تحسباً لانقطاع الماء، لاستخدامه في الاستحمام والنظافة، والابتعاد عن النوافذ والأبواب الزجاجية والشرفات، وعدم استخدام المصاعد. وأردف النادي ذلك بنشرة تورد قائمة بالملاجئ في مناطق نيويورك.

وكانت نيويورك تحولت منذ الليل قبل الماضي إلى مدينة أشباح، بعدما خلت شوارعها من المارة، وأغلقت السلطات شبكات قطارات المترو التي تعد الأكبر في العالم. وأغلقت بورصة نيويورك أبوابها للمرة الأولى منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر). وكان «ساندي» الذي تصاحبه رياح تصل سرعتها إلى 120 كيلومتراً في الساعة، قد أدى إلى مقتل 65 شخصاً جزر البحر الكاريبي قبل أن يتجه صوب الساحل الشرقي لأميركا.

وأدى «ساندي» إلى إلغاء 8962 رحلة جوية من بريطانية صباح أمس، كما ألغيت 1300 رحلة من هناك نهار الأحد. ويتوقع أن يتم اليوم (الثلثاء) إلغاء 2594 رحلة جوية متجهة إلى نيويورك ونيوجيرسي وفلوريدا. ويتوقع أن يضرب «ساندي» ولايات الساحل الشرقي بأقصى قوته مساء أمس وصباح اليوم.

وفي سياق متصل، أعربت الخطوط الجوية السعودية عن أسفها أمس لاضطرارها إلى إلغاء رحلة الرياض، جدة، واشنطن، ورحلتي جدة - نيويورك أمس، ورحلة الرياض - نيويورك المجدولة اليوم (الثلثاء).

ميدانياً، أجبرت العاصفة آلافاً من المواطنين على ساحل ولايتي نيوجرسي ونيويورك على إخلاء منازلهم، فيما استعدت ولاية رود أيلاند للأسوأ، مع ارتفاع منسوب المياه ومحاصرتها لأحياء سكنية.

ويأتي توقيت العاصفة ليعطيها أهمية سياسية بالغة قبل أيام على التصويت في الانتخابات الرئاسية الثلثاء المقبل. واستعادت مواقع ليبرالية تصريحات لرومني دعا فيها إلى إلغاء وكالة الطوارئ الحكومية (فيما) التي تعنى اليوم بإخلاء المدنيين من العاصفة وإصلاح الأماكن المتضررة.

ويتخوف أوباما بدوره من سيناريو أضرار جسيمة قد يزيد الانتقادات الموجهة إلى أدائه، أو كوارث إنسانية تجعل الناخبين يقترعون لرومني. أما في حال نجاح الرئيس في إثبات جدارة في احتواء تداعيات العاصفة، فيساعد ذلك حظوظه في الفوز الثلثاء المقبل. وتعطي الاستطلاعات تعادلاً للمرشحين على المستوى الوطني، وأفضلية طفيفة لأوباما في الولايات الحاسمة بينها فرجينيا وأوهايو.

وأفادت نشرة للمركز الوطني للأعاصير، في ميامي بعد الظهر، بأن المنخفض الجوي كان على بعد 330 كلم من اتلانتيك سيتي في نيوجيرزي وعلى بعد 415 كلم من نيويورك. ومع اقترابه من الساحل، اشتدت الرياح مع سرعة من 150 كلم في الساعة وأمطار أكثر غزارة أيضاً.

وأفادت تقديرات أولية لشركة «إيكيسات» المتخصصة، في بيان، أن «ساندي عاصفة كبيرة للغاية تؤثر في 20 في المئة من السكان في الولايات المتحدة. والأضرار الاقتصادية (المتوقعة) تقدر بنحو 10 إلى 20 بليون دولار». وأضافت أن «الأضرار المشمولة بوثائق التأمين تقدر بين 5 و 10 بلايين دولار». وعلى سبيل المقارنة، فإن الأضرار التي سببها الإعصار «إيرين» في 2011 قدرت بعشرة بلايين دولار، بينما أضرار الإعصار «آيك» الذي ضرب الولايات المتحدة عام 2008 كلفت الاقتصاد الأميركي 20 بليوناً. والإعصار «كاترينا» الذي دمر نيواورليانز في 2005 كلف بين 40 و66 بليون دولار. ومع احتساب خسائر الاقتصاد الأميركي وتوقف التداول في وول ستريت ليومين ييمكن أن تقارب الأضرار 500 بليون دولار.