في جريمتين وحشيتين، أصابتا وترا حساسا في البلد الذي شهد حجما مرعبا من إراقة الدماء في العقد الماضي، تعرضت طفلتان عراقيتان للاختطاف والاغتصاب والضرب حتى الموت، وذلك في حادثتين منفصلين وقعتا قرب مدينة البصرة جنوبي البلاد.

ورغم إدانة المتهمين في إحدى الجريمتين، وشن اعتقالات متعلقة بالجريمة الأخرى، وتعزيز دوريات الشرطة في المدينة، إلا أن العائلات في البصرة لا تزال قلقة بعد مقتل بنين حيدر (4 سنوات) وعبير علي (5 سنوات) في أقل من شهرين.

ولا يسمح كثير من الآباء في المدينة لأطفالهم بالذهاب إلى المدرسة بمفردهم، أو حتى اللعب خارج الدار بعد انتهاء اليوم الدراسي، وذلك خوفا على بناتهم من إمكانية خطفهن أو اغتصابهن أو قتلهن.

في حين تخطط عائلات أخرى لمغادرة البصرة تماما، لأن افرادها فقدوا الثقة في قدرة قوات الأمن على حماية أطفالهم، حسب ما أوردت وكالة أسوشيتد برس.

وقال حازم شريف (38 عاما)، وهو موظف حكومي وأب لأربعة أطفال: "هذه الجرائم الوحشية تجعلني أفكر في سلامة أطفالي".

وأضاف "لا أثق في قوات الأمن بعد الآن، علي حماية عائلتي بنفسي".

وبالنسبة لكثيرين في العراق، تشكل جرائم القتل هذه علامة جديدة، وتعد نوعا أكثر تهديدا من أعمال العنف التي واجهتها البلاد في السابق.

واعتبرت الهجمات الأخيرة بقعة سوداء في محافظة البصرة التي تتمتع بهدوء واستقرار نسبي. وتعد المدينة، التي يقطنها مليون شخص، قلب صناعة النفط في العراق.

والبصرة هي كذلك أكثر فقرا من العاصمة، ولكنها بدأت تزدهر ببطءن إذ انتقلت إليها شركات عالمية اجتذبتها حقول النفط المربحة في المنطقة.

وذكر اللواء فيصل العبادي، قائد شرطة البصرة ومهدي ريكان، رئيس اللجنة الأمنية في مدينة الزبير القريبة، بعض تفاصيل الجريمتين البشعتين.

وأوضح العبادي أن الطفلة بنين اختطفت في الزبير الواقعة قرب البصرة، في السادس عشر من أغسطس الماضي.

وهي جاءت مع أسرتها، من محافظة ذي قار القريبة لزيارة أقاربهم. ثم عثرت الشرطة على جثتها في منطقة مهجورة وهي مكبلة اليدين والقدمين، وتعرضت للاغتصاب عدة مرات وحطمت رأسها بما يعتقد أنه حجر كبير، وفقا للسلطات.

واعتقل أكرم المياحي، وهو جندي خارج الخدمة حدد مكانه في قاعدة عسكرية قريبة، لدوره في قتل الطفلة.

وقال القاضي جاسم الموسوي، المتحدث باسم محكمة الاستئناف في البصرة، إن المياحي أدين في الثاني والعشرين من أكتوبر الماضي، وحكم عليه بالإعدام لاستغلال طفلة وقتلها.

وقال العبادي إن عائلة بنين تريد إعدام المياحي علنا في موقع الجريمة ليكون عبرة لغيره.

أما الطفلة الأخرى عبير، فقد قدمت مع عائلتها أيضا من ذي قار، وهي محافظة عراقية فقيرة نسبيا يسافر الكثير من سكانها بحثا عن العمل.

واختطفت عبير في الحادي عشر من أكتوبر، بينما كانت عائلتها تحضر حفل زفاف قريبا من المكان الذي قتلت فيه بنين.

وعثر على جثتها بعد 12 ساعة في قطعة أرض فضاء، وكان جسدها يحمل علامات اعتداء مشابهة للتي تعرضت لها بنين، رغم أن عبير خنقت برباط حذاء، حسبما قال مسؤولون.

وتوصلت السلطات في وقت لاحق إلى أن الخاطف المشتبه به اتصل هاتفيا بتسعة من أصدقائه ودعاهم للمشاركة في اغتصابها.

واعتقل ثمانية منهم حتى الآن واعترفوا بجريمتهم.

وقال والد عبير، وهو عامل بناء وأب لأربع فتيات أخريات: "لا أستطيع الراحة أو النوم في الوقت الذي لا يزال فيه المجرمون يأكلون ويشربون وينامون في السجن. يجب إعدامهم فورا".

وأضاف "العراق أصبح مثل غابة الوحوش تهرس فيه جثث الفقراء".

وتسببت الجريمتان في انتشار موجة من الخوف في شوارع البصرة.

وفي محاولة لتهدئة الرأي العام، بدأت قوات الأمن في نشر المزيد من دوريات الشرطة، وخاصة قرب المدارس.

وألقى بعض المسؤولين باللائمة في هذه الجرائم على تزايد تعاطي المخدرات.

واستشهدت وزارة الداخلية العراقية بالجريمتين لدعوة العراقيين إلى دعم حملة مكافحة المخدرات.

وقال العبادي إن جميع المعتقلين في الجريمتين مدمنون، وكانوا تحت تأثير ذلك وقت ارتكاب الجريمة.

وقالت فوزية عطية، أستاذة الاجتماع في جامعة بغداد، إن لعقود من الحرب في العراق والمصاعب الاقتصادية أيضا دورا في ذلك.

وأضافت "كل هذه الويلات غيرت نظام القيم الاجتماعية، وأضعفت دور الأسرة وأثرت سلبا على التنمية الشخصية".

لكن كثيرا من سكان البصرة يعتقدون أن التركيز على المخدرات في هذه الجرائم أمر في غير محله.

وهم ينتقدون الحكومة بدلا من ذلك، ويؤكدون فشل قوات الأمن في توفير الأمن الكافي.