رغم عودة الهدوء النسبي إلى البلدات والقرى الأردنية عقب اندلاع احتجاجات واسعة امتدت لنحو أسبوعين رفضا لقرار رفع الدعم عن أسعار المحروقات، إلا أن مراكز صنع القرار في البلاد ما تزال في حالة ترقب لاحتواء أي تحركات ارتدادية مجددا، بحسب محللين.
ومع اقتراب موعد مسيرة حاشدة أعلنت عن تنظيمها الجبهة الوطنية للإصلاح المعارضة التي يرأسها رئيس الحكومة السابق، أحمد عبيدات، الجمعة ، تشير معلومات مسربة إلى مساع في مركز القرار الحكومي، لإطلاق مبادرة حوار جديدة مع جماعة الإخوان المسلمين وقوى المعارضة التي كانت مكونا رئيسيا، في موجة الاحتجاجات.
وتتجه المبادرة الجديدة التي طرحها رئيس الحكومة الحالي، عبد الله النسور، قبل نحو 48 ساعة داخل مؤسسة القصر، لفتح قنوات حوار مجددا مع الجماعة عن قرار مقاطعة الانتخابات النيابية، التي يرى محللون أنها أصبحت في مهب الريح على وقع الاحتجاجات الأخيرة.
إلا أن مصادر مطلعة أشارت لـCNN بالعربية، إلى أن مساعي النسور في مبادرته تواجه تحفظا من بعض مراكز القرار في الدولة خاصة "المركز الأمني"، حيث تحذر من الإعلان عن أي مبادرات جديدة تخضع لتقديم تنازلات لجماعة الإخوان فيما يتعلق بقانون الانتخاب القائم الذي يعتبر السبب الرئيسي للمقاطعة.
لكن وزراء في الحكومة الأردنية لا يرون فائدة في إطلاق الحوار مجددا مع القوى الإسلامية، رغم تأكيدهم على الترحيب بمثل هذه الخطوات مع القوى السياسية، دون نفي وجود مخاوف من "التشويش" على موسم الانتخابات المقبل في يناير/كانون الثاني القادم.
من جهته، لم ينف وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء، نوفان العجارمة، وجود توجه لذلك، إلا أنه أكد أن مجلس الوزراء لم يناقش رسميا مبادرات من هذا النوع.
العجارمة الذي لم ينكر في تصريحات لـCNN بالعربية مساورة الحكومة لبعض المخاوف المتعلقة بنجاح موسم الانتخابات قال إن الحكومة "متحسبة لكل الاحتمالات."
ورغم تحليلات مراقبين بتوقع تأجيل الانتخابات، إلا أن العجارمة رد بالقول: "لا تأجيل للانتخابات ولا تغيير لقانون الانتخابات.. ولا يوجد حلول دستورية لتغيير القانون لكن الحوار مرحب به دوما مع القوى السياسية ونحن نتعاطى بكل جدية مع كل ما يجري وعلينا أن نجيب على كل التساؤلات المطروحة."
وبشأن الحوار مع المعارضة علق مضيفا: "رئيس الحكومة اعتمد سياسة الحوار مع الجميع وسيقوم بكل ما فيه مصلحة للدولة الأردنية... رسميا لم نناقش في مجلس الوزراء أي مبادرات."
ورأى العجارمة أن الدولة نجحت في إقبال ما يزيد عن مليوني ناخب للتسجيل في الانتخابات، قائلا إنها ستنجح في المرحلة الثانية أيضا.
وتأتي التأكيدات وسط حالة احتقان شعبي ضد القرارات الاقتصادية، وتعليق أحزاب معارضة مشاركتها في الانتخابات، عدا عن حرق مئات البطاقات الانتخابية في البلدات الأردنية خلال الاحتجاجات.
بالمقابل، اعتبر وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية النائب الأسبق بسام حدادين، أن الحوار مع قوى المعارضة مرحب به، ولكنه رأى بأنها من جهتها "تتمسك بشروط مسبقة للحوار."
لكن حدادين أعرب أيضا عن استيائه من بعض الممارسات التي تشهدها البلاد خلال الاحتجاجات الأخيرة، من بينها إقدام مواطنين على حرق البطاقات الانتخابية، وهو ما علق عليه بالقول: "إنها طريقة للتعبير يشوبها عيب إهانة الرأي الآخر وتنطوي على نزعة فوق دستورية ..الحوار مرحب به مع من يعمل وفق قواعد قواعد دستورية وقانونية للتنافس السياسي النظيف."
إلا أن محللين يشككون بقدرة رئيس الحكومة على "نزع فتيل أزمة كامنة" كما يرونها، باعتباره جزءا منها - على حد وصفهم - عقب اتخاذه لقرار رفع الدعم عن المحروقات وإعلانه تحمله المسؤولية بشأنه، فيما اعتبروا أن أزمة مركبة تواجه مراكز القرار في الدولة، اقتصادية وسياسية وأمنية.
وشهدت البلاد اعتقال ما يزيد عن 120 ناشطا ومحتجا ، تم تحويلهم إلى محكمة أمن الدولة بتهم تقويض نظام الحكم.
ومن هنا، يشكك المحلل السياسي، الدكتور حسن البراري، بقدرة الحكومة الحالية "الانتقالية" في ظل غياب البرلمان، على إحداث أي تعديل على قانون الانتخاب، فيما يرى أن هناك "خطأ منهجيا" سترتكبه الحكومة لو اتجهت للحوار مع الإخوان، ونسيت القوى السياسية المعارضة الأخرى.
ويرى البراري أن لا دافع لقوى المعارضة للمشاركة، في الوقت الذي لم تدرك فيه الحكومة أن الدافع الاقتصادي هو محرك رئيسي في الاحتجاجات، فيما شكك أيضا ببقاء الانتخابات في موعدها.
وقال: "الحكومات المتعاقبة أصرت على أن الحراك مطلبي ونسيت الحل الاقتصادي..الهدوء اليوم في الشارع مخادع وهو مهيأ للعودة في أي لحظة."
ويرهن البراري احتمالات محاورة جماعة الإخوان عبر اللجوء فقط إلى "عقلية إبرام الصفقة" بين الدولة والإخوان بما يتعلق بالانتخابات، وقال :" الحركة الإسلامية الآن ليست معنية بحل أزمة الحكومة... والقرار الحكومي لم يشعر بتأثيراته الشعب للان الآن نشهد هدوء يسبق العاصفة."
إلى ذلك ، شهدت أروقة جماعة الإخوان المسلمين سجالا واسعا مؤخرا بشأن شعار إسقاط النظام الذي رافق احتجاجات الشارع مؤخرا ، حيث تفاوتت مواقف داخلية بين تبنيه وبين الإبقاء على شعار إصلاح النظام.
لكن قيادة الجماعة تمسكت بشعار الإصلاح، وفق ما أكد القيادي مراد العضايلة، لـCNN بالعربية، فيما كانت الحركة قد تبرأت في وقت سابق من مطالب إسقاط النظام مؤخرا، التي عبرت عنها قوى شبابية وشعبية.
وبشأن مبادرات الحوار، اكتفى العضايلة بالقول إن "لكل حادث حديث،" معتبرا أن الدولة "ليس لديها جديد لتقديمه،" خاصة مع تمسك الحركة بضرورة تغيير قانون الانتخاب القائم على الصوت الواحد.
ويتوقع مراقبون أن تشهد الجمعة المقبلة مسيرة حاشدة في ميدان الداخلية الذي منعت السلطات الرسمية الاحتجاج فيه، فيما أكد الإسلاميون حشدهم للمسيرة.
وكانت الحركة الإسلامية قد أعلنت عن اعتقال 45 من نشطائها وإحالتهم إلى محكمة أمن الدولة الأردنية، بتهمة تقويض نظام الحكم، حيث حمّل الذراع السياسية للجماعة، حزب "جبهة العمل الإسلامي" مسؤولية الاعتقالات للنظام السياسي في البلاد.