أعاد مقتل نحو 30 شخصا من العرب والطوارق شمالي مالي على يد جماعة تتهم بممارسات عنصرية إلى الساحة اسم جماعة "غندكوي" التي تأسست في بداية التسعينات لقمع ثورات الطوارق.

وقد حذرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" فور بداية عملية تحرير شمال مالي من "المخاطر المرتفعة من حصول توترات اثنية شمالي البلاد حيث الخصومة حادة بين الأقليات العربية والطوارق الذين يتم ربطهم غالبا بالإسلاميين من جهة، وبالسود الذين يشكلون الأغلبية في مالي".

وحسب مراقبين، كان لتواجد الجيش الفرنسي الفضل الكبير في عدم وقوع أعمال انتقامية في المدن المحررة، من قبل الجيش المالي ومليشيات غندكوي العنصرية.

لكن ذلك لم يمنع من انتقاد الفرنسيين، الذي لم يتركوا أفرادا من قواتهم لمنع الانتهاكات في عدد من المدن والقرى التي ارتكبت فيها أعمال قتل ونهب بعد "تحريرها" وتسليمها للماليين.

وكانت قوى أوروبية، وأخيرا أميركية قد حذرت من أي أعمال انتقامية في المنطقة، بسبب التاريخ العنصري المقيت لهذه الأعمال في العقدين الماضيين.

ويتكون الشمال المالي المسمى "أزواد" من أعراق عدة أبرزها العرب والطوارق ذوي السحنة البيضاء، ومجموعات من السنغاي، والفلان، وأقليات عدة اتسمت بلونها الإفريقي.

وكانت ثورة الطوارق الثانية عام 1992 التي طالبوا فيها بحكم ذاتي، سببا رئيسيا في ظهور هذه الجماعة، فبعد عدة مواجهات مسلحة بين الجيش المالي وحركات الطوارق المسلحة في الشمال، تكاتفت مجموعة "غندكوي" التي تعني "أصحاب الأرض" يجمعها هدف تأكيد أن "الأرض (شمال مالي) هي أرض مالية، وأن العرب والطوارق دخلاء في المنطقة يجب طردهم" كما صرح قادتهم حينها.

وقد أفصح أحد قادة الحركة حينها هارون توري للصحف المالية عن هذه الحركة وما سماه "أهدافها الوطنية الرامية إلى تطهير مالي من الدخلاء البيض القادمين من الجوار العربي" حسب صحيفة "tambour" الصادرة من العاصمة باماكو شهر نوفمبر 1994م.

وتعد أعمال الانتقام والقتل التي مورست منذ أيام في الشمال أقل عدوانية من مجازر حقيقية غاب عنها الإعلام عامي 1992 و1994، إذ لم تكن حينها فضائيات ولا إعلام اجتماعي يمكنه الكشف عنها.

وقد أبيدت أحياء كاملة في مدن تينبكتو وغاوو وغوسي ومدن عدة، على يد أصحاب القبعات الحمراء في الجيش المالي وحركة غندكوي العنصرية.

وهذا ما جعل السكان المحليين منذ بداية الأحداث قبل عام، ومع دخول المسلحين واحتلالهم مدن الشمال، جعلهم يستشعرون الخطر، من أن يقعوا ضحية أي أعمال انتقامية إذا ما استعادت مالي منطقة الشمال.

وقد ناهزت أعداد اللاجئين نحو 300 ألف في دول الجوار، غالبيتهم في موريتانيا، وبوركينا فاسو، ثم النيجر والجزائر.

وحذرت شخصيات تابعة للحركة الوطنية لتحرير أزواد الحكومة الفرنسية من أية أعمال انتقامية من الجيش المالي ضد السكان العزل.

وسقط آخر معقل للمسلحين في كيدال معقل الطوارق الرئيسي في الشمال، بعد تفاهم بين الحركة الوطنية لتحرير أزواد، والقوات الفرنسية، حيث اشترطت الحركة وحذرت الفرنسيين من اصطحاب أي قوات مالية معهم خشية وقوع مواجهات بين الطرفين، الشرط الذي احترمته القوات الفرنسية العارفة بمدى حساسية تقدم الماليين غلى معقل الطوارق، وما يمكن أن يجره من اقتتال ومشاكل.

وكان الرئيس المالي قد رحب بالحوار مع حركة تحرير أزواد ذات الطابع العلماني دون الحركات الإسلامية المتهمة بارتكاب أعمال مرفوضة تمثلت في "تطبيق الشريعة الإسلامية" وإقامة الحدود.

ورغم التحذيرات الحكومية في مالي نفسها التي تعد من أحدث الديمقراطيات في غرب افريقيا، والتي تحظى قبل انقلاب 21 مارس 2012 بقدر كبير من الحريات والوعي السياسي إلا أن عودة حركة "غندكوي" إلى العلن أضحت محل قلق كبير لسكان المنطقة.

وقد عادت الصيحات في شوارع المدن المحررة بتحرير الصحراء، مع استبدال الكلمات العدائية في السابق التي تطالب بطرد العرب، إلى "طرد الإرهابيين"، وقد اركب الجيش المالي نفسه بعض هذه الانتهاكات، حيث أصبح أي ملتح، فضلا عن ان يكون عربي أو طارقي عرضة للتصفية في منطقة يتسم غالبية سكانها بسمة اللحية، التي أضحت سمة للجماعات المسلحة.

وقد نشر الإعلام الفرنسي صورة جندي مالي مارس العنف والضرب ضد أحد سكان مالي السود بسبب لحيته.

وتلخص حركة "غندكوي" أهدافها، برفض وجود ذوي البشرة البيضاء في مدن شمالي مالي، وبرفض أي نوع من منح الطوارق والعرب أية حقوق سياسية.

وتقول في مذكرتها الأولى التي نشرتها عام 1994 والتي أسمتها "صوت الشمال":

- على جميع أهل الشمال (السود) أن يطردوا العرب.

- شعوب الشمال (الطوارق) شعوب تائهة لا موطن لها يجب دكهم وطردهم من قرانا.

- يجب أن نسلح أنفسنا لطرد الدخلاء، على حركتنا أن تجرف البدو.

- لا حل سياسي في الشمال ضد المتمردين إلا بالتسلح والهجوم عليهم.

- الطوارق البيض ليسوا إخوتنا.

وفي الوقت الراهن رغم تحفظ سكان الشمال من التدخل الفرنسي، فإن القلق من خروج الفرنسيين وإحلال القوات الإفريقية محلها يمثل قلقا بالغا للعرب والطوارق، الذين لن يفرق الأفارقة بين المتطرفين فيهم من غيرهم بسبب تشابه سحنتهم.

ويعول السكان البيض على قوات حفظ سلام من دول شمال إفريقيا العربية، كقوات وحيدة يمكنها التعامل مع الشماليين.