أكدت مصادر قانونية وعدلية مختصة أن التأخر في البت في قضايا بعض السجناء يعود في المرتبة الأولى لنقص عدد القضاة في المملكة بشكل عام رغم الخطوات التي بدأت قبل عامين لتطوير مرفق القضاء ودعم المحاكم بأعداد إضافية فيما قدرت مصادر قانونية وحقوقية أن نسبة تقديرية من خلال التقصي تقارب 20 %.

وكشفت المصادر أن محافظة جدة على سبيل المثال لا الحصر يقطنها نحو 4 ملايين نسمة ولا يوجد فيها سوى 50 قاضيا موزعين بين المحكمة العامة والجزائية والأحوال الشخصية.

فيما أوضح مختصون أن المحاكم وهيئة التحقيق والادعاء العام وإدارات السجون إضافة إلى جهات الضبط الجنائي هي الجهات التي تشترك سويا على الأرجح في وجود سجناء بلا محاكمات.

وقالت مصادر مطلعة إن تعديلات جديدة ستضاف إلى أنظمة القضاء تزامنا مع استكمال بقية المحاكم المتخصصة الجديدة، ووصفت تلك التعديلات بأنها جوهرية دخلت على نظامي المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية، وتقر التعديلات عقب الانتهاء من دراستها في الجهة المختصة.

فيما أوضح المحامي والمستشار القانوني خالد السريحي أن المادة الحادية والأربعين من نظام الإجراءات الجزائية نصت على أنه لا يجوز لهيئة التحقيق والادعاء العام إيقاف المتهم لمدة تزيد في مجموعها على ستة أشهر تبدأ من تاريخ القبض على المتهم، وعليه يتوجب على الهيئة إحالته إلى المحكمة المختصة، أو الإفراج عنه ، على أن تتولى المحكمة المختصة بنظر الدعوى أمر استمرار إيقاف المتهم من عدمه.

وأضاف أن الأنظمة نصت على ضمانات من المشرع للمتهم ولا يجوز المساس بها بأي حال من الأحوال، وإن حدث ذلك فالمشرع أيضا منح المتهم ضمانة أخرى وهي حق اللجوء للقضاء الإداري (ديوان المظالم) بطلب التعويض عن فترة إيقافه إن اتضح أنها لم تكن نظامية أو جاوزت ما هو محكوم به.

وأشار إلى أن ما يحدث من تأخر النظر والبت في قضايا الموقوفين لا يمكن أن نعزوه إلى سبب واحد أو إلى جهة واحدة ، فالأسباب متعددة والمسؤولية مشتركة بين جميع الجهات ذات العلاقة ويأتي في مقدمتها قلة عدد القضاة.

وعن الحلول قال «يجب تكاتف الجهات ذات العلاقة وأن تسعى إلى حل هذه المعضلة ووفقا للأنظمة الصادرة في هذا الخصوص ، وأن يتم تفعيل دور دائرة الرقابة على السجون ودور التوقيف بشكل أكبر ، كما يجب البدء بالعمل بنظام القضاء الصادر عام 1428هـ، والذي نص على إنشاء محاكم جزائية مؤلفة من عدة دوائر داخلية للبت في القضايا الجزائية، وأن يسعى المجلس الأعلى للقضاء بالتنسيق مع وزارة العدل إلى تعيين قضاة جدد وبشكل موسع حتى يتسنى له البدء في تفعيل نظام القضاء بشكل صريح بدلاً من تفعيل المسميات فقط دون المضمون».

فيما أكد المحامي والمستشار القانوني بدر الروقي أن استمرار حبس المواطن أو المقيم بعد انتهاء محكوميته يعتبر إجراء مخالفا للنظام ، وانه لا يمكن تمديد السجن إلا بحكم قضائي.

وزاد «يحق لأي سجين أو موقوف حق مقاضاة الجهة التي حبست حريته عن المدة المقررة (نظاما وشرعا)، وله طلب التعويض» مبينا أن التعويض يقوم على ثلاثة أركان (تعد) و(ضرر) و(علاقة) سببية بينهما؛ حيث تنص المادة (26) من النظام الأساسي للحكم: تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية ، كما تقرر المادة (36): أن توفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها و المقيمين على إقليمها .

فيما ذكر المحامي والمستشار القانوني سعد المالكي أن الحق في الحرية من الحقوق الأساسية للإنسان التي كفلتها الشريعة والنظام الأساسي للحكم، فلا يسوغ المساس بهذا الحق إلا بسند قانوني يتمثل في لتوقيف (الحبس الاحتياطي) وفقا لقواعده، أو بالاستناد إلى حكم قضائي نهائي.

وأوضح أنه حال صدور أحكام نهائية بالتعويض فان الخزانة العامة للدولة هي التي تتحمل هذه المبالغ ولن يتحملها أي من أولئك الذين تسببوا في مخالفة النظام وتكبيد الخزانة العامة هذه المبالغ نتيجة مخالفاتهم مطالبا بتعديل مواد النظام بما يسمح للموقوفين احتياطيا في هيئة التحقيق والادعاء العام الحصول على تعويض حال براءتهم من التهمة.

من جهته قال القاضي محمد أمين مرداد رئيس محكمة الاستئناف عضو المجلس الأعلى للقضاء إن تأخر صدور المحكومية ليست ظاهرة وإنما بعض الحالات التي لها أسبابها في تأخر ورود المعاملات منها ما هو أمني ومنها ما يتعلق باكتمال جمع المعلومات لإنهاء التحقيق.

وأضاف أن البعض قد يكون في تقديمه للمحاكمة في حينه كشف لحقائق سرية ومهمة تعين رجال الأمن على أداء مهماتهم السرية، والأمر لا يعد كونه حالات خاصة الغرض من ورائها حفظ أمن هذا البلد من العابثين والمغرضين الذين لهم إما توجهات فكرية منحرفة أو لهم علاقة بجهات خارجية لا تريد لهذا الوطن أن يكون مستقرا وفي أمن وأمان.

فيما أرجع مصدر قضائي مختص أسباب الخلل والتأخير إلى تطبيق المادة 123 من نظام الإجراءات الجزائية، التي جاء فيها «إذا أحيل المتهم إلى المحكمة يكون الإفراج عنه إذا كان موقوفاً أو توقيفه إذا كان مفرجاً عنه من اختصاص المحكمة المحال إليها، وإذا حكم بعدم الاختصاص تكون المحكمة التي أصدرت الحكم بعدم الاختصاص هي المختصة بالنظر في طلب الإفراج، أو التوقيف ، إلى أن ترفع الدعوى إلى المحكمة المختصة».

وأضاف المصدر القضائي أن المادة الرابعة عشرة بعد المائة جاء فيها «ينتهي التوقيف بمضي خمسة أيام، إلا إذا رأى المحقق تمديد مدة التوقيف فيجب قبل انقضائها أن يقوم بعرض الأوراق على رئيس فرع هيئة التحقيق والادعاء العام بالمنطقة ليصدر أمراً بتمديد مدة التوقيف مدة أو مدداً متعاقبة، على ألا تزيد في مجموعها على أربعين يوما من تاريخ القبض عليه، أو الإفراج عن المتهم . وفي الحالات التي تتطلب التوقيف مدة أطول يرفع الأمر إلى رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام ليصدر أمره بالتمديد لمدة أو مدد متعاقبة لا تزيد أي منها على ثلاثين يوماً، ولا يزيد مجموعها على ستة أشهر من تاريخ القبض على المتهم، يتعين بعدها مباشرة إحالته إلى المحكمة المختصة، أو الإفراج عنه.

وأكد مصدر في سجون القصيم أن دورهم يقتصر على تنفيذ الأحكام والتوجيهات كأداة تنفيذية ولسنا من يصدر القرارات حيث هذا الأمر مخولة به المحاكم وهيئات التحقيق والادعاء العام، والسجون ليس لها علاقة بقضايا الأحكام ونحن نقوم بدورنا من حيث تقديم الخدمة للسجناء ومعاملتهم وفق الأنظمة والقوانين.

وطالب الشيخ الدكتور صالح اليوسف القاضي بمحكمة الاستئناف بالمنطقة الشرقية بإيجاد نظام يحدد إصدار وتنفيذ العقوبات البديلة في المحاكم الشرعية لحاجة المجتمع لتطبيق مثل هذه الأحكام ولإصدار عقوبات مناسبة وذلك لوجود شباب غرر بهم ويحتاجون للعقوبات البديلة التي تساعدهم لتجاوز الهفوة الأولى إلى الصلاح.

ونوه اليوسف إلى أن العقوبات البديلة يجب أن يكون فيها جانب آخر وهو التخيير في العقوبة أو التدرج في العقوبة وهذا له مستند شرعي وهو مستند الكفارات الشرعية مثل حنث اليمين، أو كفارة الظهار ، مشيراً إلى أن هذه الفكرة «فكرة التدرج والتخيير» أرى أنها فكرة جديرة بالدراسة والتحقيق وتحتاج إلى بلورة وذلك لوجود أعداد كبيرة من السجناء في سجون المملكة.

وأوضح اليوسف أن بعض الأحكام البديلة تردنا في محكمة الاستئناف ويتم المصادقة عليها إذا وجد ضوابط مناسبة للتطبيق، مستدركاً أن أبرز ما يعيق تنفيذها مسألة التطبيق والرقابة ، وأكثر القضاة يرى أن تنفيذ الأحكام البديلة مطلب اجتماعي كبير ولكنه يحتاج إلى كادر كبير ونتمنى إيجاد تنظيم مناسب له.

وفي جازان شكلت لجنة من وزارة الداخلية وهيئة التحقيق والادعاء العام والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان للوقوف على أوضاع السجون بالمنطقة، وأكد مصدر أمني، أن وزارة الداخلية شكلت لجنة مشكلة من وزارة الداخلية والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وهيئة التحقيق والادعاء العام لزيارة شعبة السجن العام بمنطقة جازان لدراسة أوضاع السجن والمخالفات الواقعة فيه ووضع الحلول العملية لمعالجة وضعه قريبا وذلك بعد أن قامت مؤخرا الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بزيارة المنطقة والوقوف على وضع السجون والازدحام الحاصل فيه.

وأضاف المصدر أنه تم تكليف شخصين من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والشخوص بالسجن العام للوقوف على الوضع الحالي، وكذلك عن أسباب تأخر تنفيذ الأحكام القضائية للمساجين إلى جانب متابعة السجناء وأخذ قضاياهم، ورفعت للوزارة إحصائيات وبيانات عن وضع السجون في المنطقة.

وأضاف المصدر ، أن وزارة الداخلية واللجنة المشكلة ستقوم بعمل تقارير مفصلة عن وضع السجون بالمنطقة ورفعها للوزارة من أجل تحسين أوضاع السجون بالمنطقة، وستركز على عدد من القضايا كأعداد السجناء والنظر في زيادة أعداد القضاة نظرا لكون المنطقة حدودية وتكثر فيها المخالفات الإجرامية.