اعتبر عدد من الاقتصاديين والأكاديميين السعوديين بأن زيادة الرواتب للمواطنين أمر ليس في صالح الاقتصاد السعودي الذي يحاول المضي قدماً للأمام وسيؤدي إلى تفشي ظاهرة غلاء الأسعار وعدم السيطرة عليها وإلى ارتفاع معدلات البطالة بتحميل الدولة مبالغ إضافية تحجمها عن التوظيف مشيرين بأنه لا يمكن مقارنة المملكة بدول خليجية قريبة باعتبار أن في حالة تقسيم إيرادات النفط على الفرد هي أقل دخلا من هذه الدول مؤكدين بأن الحل الناجع يكون في تقديم خدمات مميزة وقروض ميسرة للسكن وتأمين صحي ووسائل نقل مشددين على أن التجار ينتظرون هذه الفرصة لرفع الأسعار في وجه المواطنين مبينين أن المجتمع السعودي هو مجتمع استهلاكي بحسب ما تشير إليه الدراسات بأن السعوديين يستهلكون أكثر مما يستهلك المواطن العربي بسبع مرات موضحين بأن في حالة زيادة الرواتب سينعكس ذلك سلبيا على التضخم الذي بدأ في الانحسار مؤخرا.
الدكتور توفيق السويلم مدير دار الخليج للدراسات الإقتصادية يؤكد بأن أي زيادة للرواتب للمواطنين في الوقت الحالي ستكون نتيجتها الحتمية هي رفع الأسعار في كثير من السلع والخدمات وتكاليف الأعمال والمناقصات الحكومية مشيرا أن تحسين مستوى الدخل العام للمواطنين مطلب مهم مشددا على أن أي قرار له إيجابيات وسلبيات.
وقال السويلم في تصريح ل"الرياض" إن السؤال الذي يفرض نفسه ما مدى جاهزية أوساطنا الاقتصادية لزيادة الرواتب والتي سيكون المتضرر منها المواطن فهناك حقائق اقتصادية لعناصر السوق السعودي يجب إدراكها وعمل دراسة لتركيبة السوق موضحا بأن هناك أكثر من مليونين ونصف منشأة حسب احصائيات وزارة العمل لكن على أرض الواقع هناك 150 شركة مساهمة وعشرين ألف شركة والبقية مؤسسات فردية مضيفا بأن العنصر الأهم هو المحلات التجارية التي تقدم الخدمة للجمهور التي مع الأسف أكثر من 90% منها يديرها أجانب والذين يبحثون عن مصلحتهم وليس عن الصالح العام وهذه الشركات والمؤسسات لا يمكن ضمان ردة فعلها جراء هذا القرار.
وأفاد مدير دار الخليج للدراسات الإقتصادية بأنه من خلال بعض الدراسات تبين أن الطعام يكلف الأسرة 20% والسكن 30% والرعاية الصحية والتعليم 25% والخدمات الإضافية 25% فلذلك نحن بحاجة ماسة لتوفير معطيات إيجابية لتمكين المواطنين من تملك سكن مناسب والذي يمثل العنصر الأهم.
وكشف الدكتور السويلم بأن المجتمع السعودي مجتمع استهلاكي بحسب ما تشير إليه الدراسات بأن السعوديين يستهلكون أكثر مما يستهلك المواطن العربي بسبع مرات وعلينا الأخذ بالاعتبار بأن مشكلة الغلاء هي مشكلة دولية ونحن في المملكة مرتبطون بدول العالم وأي ارتفاع سنتأثر منه.
من جهته يشدد الدكتور فهد بن جمعة عضو مجلس الشورى على أن زيادة الرواتب أمر سلبي سيؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وذلك بتحميل الدولة مبالغ اضافية تحجمها عن التوظيف وأن ذلك لن يعالج مشاكل جوهرية يعاني منها المواطنون موضحا بأن المملكة في حالة تقسيم إيرادات النفط على الفرد هي أقل دخلا من دول كقطر والكويت والإمارات نظرا للكثافة السكانية وليس هناك مجال لمقارنة الرواتب بهذه الكيفية.
ويضيف بأن زيادة الأجور يترتب عليه فك دعم للمواد الاستهلاكية كالوقود والكهرباء مؤكدا بأن الأصل أن الزيادات لاتأتي في الراتب بل في تقديم خدمات مميزة وقروض ميسرة لتأمين السكن وفي النقل والتأمين وهذا هو الأفضل للمواطنين وأن حدوث أمر كهذا هو مساواة ظالمة بين الشخص المنتج والكسول فيفترض أن تخضع الزيادة في راتب الموظف لعملية التقييم المستمر لا بهذه الطريقة.
ويبين الدكتور بن جمعة بأن قضية التضخم يمكن معالجتها من خلال السياسات النقدية للدولة لا بزيادة الراتب التي ستؤدي إلى كارثة في الاقتصاد السعودي
الدكتور زين العابدين بري الأكاديمي وعضو مجلس الشورى السابق يذكر بأنه كان في عام ٢٠٠٨ من المعارضين لزيادة الرواتب عند بداية الموجه التضخمية التي بدأت في المملكة في ذلك الحين معتقدا بأن الانتعاش الحكومي وزيادة أنفاق الميزانية و انتعاش القطاع الخاص وقطاع الأفراد سيساهم في زيادة الإنفاق الكلي مما جعل الطلب يزيد عن العرض وأدى الى ارتفاع الأسعار وكنت أرى حينها أنه إذا رفعنا الرواتب وزاد الطلب أكثر تبعا لذلك فأن الأمور ستزداد سوءا وأنه يمكن الانتظار حتى يزيد العرض الكلي ولا بأس بعدها من زيادة الرواتب.
وأوضح الدكتور بري أنه في الوقت الحالي بات واضحا أن موجة ارتفاع الأسعار (التضخم) قد بدأت في الانحسار وان معدل التضخم انخفض من ٦/ الى اقل من ٤/ مشيرا إلى أن القدرة الشرائية للرواتب قد انخفضت خلال هذه الفترة مما شكل عبئا على المواطن آخذين في الاعتبار الأوامر الكريمة بزيادة الرواتب بمقدار ١٥%على ثلاث دفعات متساوية مضيفا بأن ظروف العرض قد أصبحت افضل فانه قد يكون من المناسب زيادة الرواتب على دفعات مثلا ١٠% والانتظار لمدة سنتين وقياس اثر ذلك على الأسعار ومن ثم البدء بزيادات متساوية لمرتين تفصل بينهما مدة زمنية مع مراقبة شديدة لتأثير ذلك على الأسعار.
ويختتم الأكاديمي وعضو مجلس الشورى السابق حديثه بالتنبيه على أن جزءا من متطلبات المواطن يأتي من الخارج مستبعدا تأثير التضخم العالمي، مضيفا بأن زيادة الطلب على الإنتاج المحلي يمكن التخفيف من سلبياته ان وجدت بزيادة الإنتاج المحلي عن طريق التوسع في إعانات القطاعات الإنتاجية الضرورية ومن ثم زيادة عرض السلع والخدمات متوقعا زيادة الإنفاق العائلي نتيجة لزيادة الرواتب نظرا للميل للإنفاق العالي وللعيش في مستوى معيشي يقارن بالدول الأوربية وأمريكا والدول الكبرى ويختلف عن بقية الدول العربية والدول النامية وهذه إيجابية وليست سلبية.