لم يتوقع لاعب كرة السلة الأمريكي أليكس أوومي 26 عاما أن ينتهي مشواره الاحترافي في ليبيا هذه النهاية المأساوية، فبعد أشهر من تعاقده مع نادي النصر بنغازي عام 2010، وجد نفسه عالقا في حرب أهلية، وشاهدا على جرائم لم يكن حتى ليحلم بها.

ويروي اللاعب الأمريكي النيجيري الأصل تجربته الاحترافية والحياتية في ليبيا، ليؤكد أنه لم يكن يعلم عندما وقع العقد مع النادي الليبي أنه سيلعب لصالح العقيد الراحل "معمر القذافي"، والذي وصفه بأنه كان أكثر الرجال إثارة للخوف، كما أنه لم يتوقع أن تشتعل بها الحرب أيضا.

ووصل أليكس أوومي إلى بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية في 27 ديسمبر/ كانون أول 2010، وقوبل بحفاوة بالغة وتفاجأ بحياة رغدة تمثلت في شقة فخمة وأثاث مطلي بالذهب، وصفها بأنها كانت تشبه "تاج محل" في الهند.

وعرف بعد ذلك أن تلك الشقة تخص نجل القذافي "المعتصم"، لذلك كانت صورهما في كل مكان، وهذا هو السر وراء تصميمها أسطوري والذي يجعلها أفضل من كل الأماكن التي أقام بها في أوروبا.

اللعب لصالح القذافي

لكن المعلومة الأهم بكثير بالنسبة له، تمثلت في أن نادي النصر نفسه من ممتلكات القذافي، وقال له رئيس الفريق ويدعى أحمد :"أنت الآن تلعب لصالح عائلة القذافي."

ويسرد أوومي أن معرفته بالقذافي قديمة عندما كان طفلا في نيجيريا، حيث كان الراحل معروفا جيدا للشعب النيجيري، وكانت صوره وأخبار تملأ القنوات والصحف، لأنه كان يقدم مساعدات مستمرة لنيجيريا والنيجر، ويقول:"كنت أعتقد أنه مثل نيلسون مانديلا."

لكن أفكاره عن العقيد تغيرت في أول يوم تدريب مع فريقه الجديد، فغالبية اللاعبين مكتئبين ويبدو عليهم الخوف، مما أثار فضول المحترف الأمريكي الذي سأل زميله السنغالي "مصطفى نيانج" عن سر الإكتئاب.

وجاءت الإجابة صادمة فاللاعبين خسروا مباراة، وهو ما يعني عقوبات تبدأ بعدم الحصول على مستحقاتهم المالية، وتصل إلى الإعتداء الجسدي، وقال أوومي :"رأيت كدمات وسحجات على أجساد اللاعبين وأذرعهم، وكان الجميع خائفا، فالأمر أكثر من مجرد رياضة، فلا مجال للخطأ أو الخسارة."

ومع هذا فهناك دائما جانب آخر، فالعقيد وأبنائه يتميزون بالسخاء الشديد مع الفريق، ففي إحدى المباريات بالعاصمة طرابلس، انتقل الفريق في طائرة خاصة من بنغازي مثل أكبر الأندية الأمريكية، كما حضر القذافي ونجله السعدي، المسئول عن الرياضة في ليبيا، المباراة إلى الملعب، وبعد الفوز حصل كل لاعب على ظرف به ألف دولار هدية من الزعيم.

وبعد هذه المباراة التي أدى فيها أوومي بشكل جيد تغيرت حياته، فأصبح معروف شخصيا من عائلة القذافي، وحظي بمعاملة خاصة في أي مكان ذهب إليه، فكان يأكل مجانا في المطاعم، ويحصل على كل شيء بدون مقابل بدءا من الجوارب وحتى التليفزيون والكمبيوتر.

وقال المحترف الأمريكي :"كل ما أريده يتحقق بدون مقابل، في الأسواق أشتري كل شيء ولا أدفع شيء، وكأنني حصلت على قرض ضخم، وبعد ذلك أصبحنا نفوز في كل المباريات ولم يعد أحد يخاف، وتوليت مهام قيادة الفريق."
ولم تستمر الحياة الوردية التي عاشها لاعب السلة الأمريكي طويلا، ففي تلك الأثناء قامت الثورة في مصر، وكان مدرب الفريق "شريف" المصري الجنسية يبدو حزينا وقلقا على الأوضاع، وبدأت شائعات حول امتداد الانتفاضة إلى ليبيا، ولم يأخذها أحد على محمل الجد.

بداية المأساة

لكن يوم 17 فبراير / شباط 2011، تغير اكل شيء، فمن فوق سطح شقته التي كانت تطل على بنغازي بالكامل، رأي أوومي في التاسعة والربع صباحا مشهد مثير، حوالي 200 إلى 300 شخص تجمعوا للاحتجاج أمام مركز شرطة.

حتى ذلك يبدو المشهد عادي والأمور في نطاق السيطرة، لكن تغير الموقف تماما مع الحضور السريع للجيش، فبدون سابق إنذار أطلق الرصاص بكثافة على المحتجين ليسقط القتلى والجرحى ويهرب الآخرون.

ويصف تلك اللحظة بأنها كانت كابوس مرعب ومزعج، فالرصاص يتطاير في كل مكان مما اضطره للانبطاح أرضا، معتقدا أنه سيستيقظ ليجد كل هذا لم يحدث، لكن مع استمرار صوت الرصاص هرب سريعا إلى شقته.

ويروي تفاصيل مأساته بعد ذلك :"اتصلت بالمدرب شريف بصعوبة، فأخبرني أنه يغادر ليبيا الآن عائدا إلى مصر، وطلب مني ألا أخرج وسيأتي شخص لمساعدتي، وبعد ذلك انقطعت الاتصالات تقريبا ولم يكن هنا انترنت أيضا."

وفجأة دق باب الشقة وعندما فتح وجد اثنين من الجنود، سألوه "هل أنت ليبي أم أمريكي؟"، فأخرج سريعا جواز سفره الأمريكي، فتركوه وخرجوا، وبعد دقائق كان هناك ضجة وإطلاق نار في الممر أمام الشقة، وعندما فتح وجد جاره ملقا على الأرض غارقا في دمائه.

كما رأي أحد الجنود يحاول الاعتداء على ابنة جاره الفتاة التي لم تتجاوز 16 عاما، وعندما حاول التحرك لمساعدتها، جاء الجندي الآخر وهدده بالقتل، ولم يجد أوومي أمامه إلا الاستجابة والعودة إلى شقته مرة أخرى، ليترك الفتاة تلقى مصيرها.

وبدأت الحياة تتحول لمأساة حقيقية، ويروي أوومي بأنه عاش في كابوس حقيقي :"كنت محبوسا في شقة ابن القذافي، لا أستطيع الاتصال بأحد، والصراخ يدوي في كل مكان، والناس لا تستطيع الخروج من منازلها، والأطفال يصرخون من الجوع، ولا يجدون الطعام."

لم يعتد الليبيون على تخزين الطعام، وكانوا يشترون احتياجاتهم يوميا من الأسواق.

ويضيف :"لم يكن صوت الصراخ وإطلاق النار ينقطع طوال اليوم، وأصبحت أعيش في منطقة حرب، ولم أستطع النوم أبدا، وكنت أنتظر البحرية الأمريكية تأتي لإنقاذي من هذا الجحيم، بصفتي مواطن أمريكي في خطر."

وتطورت الأوضاع بصورة كبيرة وتم إحراق مركز الشرطة المواجه لشقة أوومي، وانقطعت المياه والكهرباء تماما، ونفد الطعام، وأصبحت الحياة لا تطاق لذلك فقد لجأ إلى الطرق البدائية للنجاة بنفسه، وأصبح الجوع والعطش عدوه الأول، بعد أن ظل أربع أيام بدون طعام.

ويذكر المحترف الأمريكي : "لم يعد بمقدوري الخروج للبحث عن الطعام لأن الجيش الليبي بدأ دك بنغازي بالطائرات، فاضطررت لتناول الصراصير والديدان، لأنني شاهدت في أحد البرامج من قبل أن هذه الأشياء يمكن أكلها في حالات الطوارئ."

وبعد 12 يوما في هذا الجحيم جاءت النجدة، فلأول مرة يسمع صوته هاتفه يرن، ليجد زميله في الفريق السنغالي مصطفى يتصل به، ويخبره أنه مسجون أيضا في شقته على الطرف الآخر من المدينة ولا يستطيع الخروج.

الهروب من الجحيم

وفي اليوم التالي أخبره مصطفى أن مدير الفريق أحمد سيساعدهم في الخروج من ليبيا، لكن يجب أولا أن يذهبوا إليه بأنفسهم، وعلى الرغم من أنه كان يبعد بنايتين فقط، إلا أنه كان خائفا من الخروج والسير في الشارع.

لكن في النهاية قرر النزول والمخاطرة بحياته التي تكاد تنتهي ببطء، وكانت المفاجأة الأولى في الشارع أطفال صغار يحملون الأسلحة ويقفون أمامه، لكن بعضهم تعرف عليه لأنهم كانوا يلعبون الكرة معا وكانوا يلقبونه "أوكوشا" نجم كرة القدم النيجيري.

وعندما رأوه ضعيفا لا يقوى على المشي ولا يعرف وجهته لفقدان التركيز، حملوه إلى حيث يوجد مدير الفريق.

وهناك وجد زميله السنغالي مصطفى ينتظره ولم يصدق الحالة التي بدى عليها، وأخبرهم مدير الفريق أن الوضع خطير ورحلة الخروج أخطر، وستتطلب الوصول للحدود المصرية ثم الهروب من هناك للخارج.

لكن احتمالات الخطر كبيرة وسيتعرضون للموت في كل دقيقة، وقال: "قبل أيام سمعنا عن لاعب كرة كاميروني قتله المتمردون أثناء محاولة خروجه من بنغازي، بعد أن استوقفوا سيارته في الصحراء، وربما يحدث في هذه الحالة لكن يجب المخاطرة."

وبعد تناول الكيك وشرب المياه النظيفة لأول مرة منذ أسبوعين، عاد أوومي لشقته وحزم أمتعته في حقيبة واحدة، وجاءت السيارة يقودها شخص ليبي وبها مصطفى وانطلقوا في رحلة الهروب نحو مصر.

وخلال الرحلة ظل الموت يطاردهم، فنقاط التفتيش كثيرة والقتلى في كل مكان، وأطفال يحملون السلاح ومستعدون للقتل، والعنف والخشونة أسلوب التعامل الوحيد، ومروا على سبع نقاط تفتيش تعرضوا خلالها للضرب والإهانة والتهديد بالقتل والسحل على الأرض.

وكان السائق الليبي يخبر المتمردين كل مرة أنهم "مجرد لاعبي كرة سلة ويريدون الوصول لمصر."

وانتهت الرحلة التي لا تستغرق 6 ساعات بعد 12 ساعة، ويوضح أوومي :"وصلنا للحدود المصرية ، ومكثنا ثلاثة ايام في معسكر للاجئين، وتلقيت مكالمة من المدرب شريف، وطلب مني الذهاب للأسكندرية والبقاء معه عدة أيام لأستعيد عافيتي، ووافقت لأنني لا أريد لعائلتي أن تراني بهذه الحالة."

مصر واستعادة الروح

ويصف أليكس أوومي الحياة في مصر بأنها كانت مختلفة تماما، حيث استقبله شريف بحفاوة، رغم أنه لم يتعرف عليه في البداية بسبب ما أصابه من ضعف وتغير في ملامحه نتيجة الجوع والمعاناة، وساعده شريف لاستعادة عافيته ولياقته البدنية، وجعله يتدرب في النادي الأولمبي أحد أندية الأسكندية.

ويقول :"تدربت مع فريق الأولمبي، رغم سوء حالتي الصحية وإصابتي بأمراض كثيرة، لكن شريف ساعدني، وانضممت للفريق رسميا وفزنا في 13 مباراة، وحصلنا على البطولة."

وبعد انتهاء البطولة عاد أوومي إلى الولايات المتحدة، لكن حالته النفسية لم تتحسن، فأصبح يعاني من مشكلات كثيرة ويشعر بالاجهاد الدائم ويعاني من آثار صدمة نفسية، وكان يغلق الباب عليه طوال 15 ساعة، وخضع لكورسات علاجية وكان يتناول أدوية، ولا ينام سوى أربع ساعات.

ويقول :"كنت دائما افكر في زملائي بالفريق في بنغازي، لم يكن لهم مكان يهربوا إليه، والكثير منهم اضطر للقتال، ومازلت أتحدث إلى مصطفى والتقيته الصيف الماضي، واعتبر أننا أصبحنا شركاء في الحياة."