في الوقت الذي اعتبرت فيه نائبة رئيس البنك الدولي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنجر أندرسن أن معظم نمو أسواق العمل في المنطقة العربية متركز في دول الخليج، إلا أنها ترى أن هذه الأسواق غير قادرة على استيعاب الباحثين عن العمل، في ظل وجود فجوة بين القطاعين الحكومي والخاص.

وفي حوار خصت به أندرسن "الوطن" خلال زيارتها للرياض الأسبوع الماضي، حيث حلت ضيفة على المنتدى العربي الثاني للتنمية والتشغيل، توقعت أن تقود الدول الآسيوية نمو الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة، بما سيؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل عام، مستبعدة أي تأثيرات سلبية على المناطق الأخرى.

وإلى نص الحوار:

في البداية، هل مشكلة البطالة في تفاقم على المستوى العالمي؟ وما رؤيتكم لحل هذه المشكلة؟

نعم إنها مشكلة عالمية، لكنها تختلف من منطقة إلى أخرى، ففي أوروبا النمو الاقتصادي بطيء، بل إنه ثابت غير متحرك، أما في العالم العربي فتعود أسباب البطالة إلى 4 عوامل، الأول يتمثل في مخرجات التعليم، حيث إن الطلبة لا يدرسون متطلبات سوق العمل، ولا يحظون بالتدريب والتأهيل اللازم للقطاع الخاص، أما العامل الثاني فيكمن في عدم المواءمة بين القطاعين العام والخاص، حيث إن أغلب الشباب يفضلون العمل في القطاع العام على الخاص، وهنا يبرز سؤال حول تفضيل الشباب العمل في القطاع الحكومي، لنكتشف أن القطاع الحكومي يمنح رواتب أعلى وأمانا وظيفيا، ولكن هذا يختلف عن بقية العالم، وفي البلدان العربية نجد قلة المواءمة ما بين القطاع الحكومي والخاص، وعليه يتطلب النظر في المواءمة بين القطاعين في العالم العربي لحل مشكلة البطالة، وفيما يتعلق بالعامل الثالث وهو بيروقراطية المناخ الاستثماري، فأستطيع أن أقول إن بيروقراطية البلدان العربية تحول دون دخول شركات جديدة إلى السوق، إذ من الصعب تأسيس شركات جديدة لوجود قوانين كثيرة لاستخراج التراخيص، وإذا لم تستخدم تلك الشركات ما يعرف بـ"الواسطة"، فإنه من الصعب افتتاح مشاريع جديدة، ولو أجرينا مقارنة بين القوانين في بلدان أخرى مثل ماليزيا وسنغافورة، فإن الأمر يختلف، حيث إن القوانين هناك أسهل، لذا يجب تغيير السياسات الخاصة في تسجيل الشركات لدخول شركات جديدة في السوق من أجل خلق فرص وظيفية جديدة، وأخيراً يمكن القول إن العامل الرابع المتمثل في التمويل، أن الشركات الجديدة تواجه صعوبات للحصول على تمويل دون أن يكون صاحب الشركة لديه علاقات مع البنوك أو ما يعرف بـ"الواسطة"، ومن الضروري تغيير نظم عمل البنوك لتسهيل الحصول على القروض التمويلية لزيادة عدد المشاريع لتوفير فرص عمل جديدة.

لماذا لا نرى تأثير معدلات الاستثمار المرتفعة في أسواق العمل، خصوصاً فيما يتعلق برفع مستوى التشغيل والتوظيف؟

هذا سؤال جيد، وهنا أشدد على أنه من الأهمية بمكان أن نرى فوائد لسوق العمل في أي قطاعات تذهب إليها هذه الاستثمارات، وفي كثير من الدول العربية نجد أن هذه الاستثمارات تذهب إلى قطاعات لا تقوم بخلق فرص عمل، أو أنها تخلق عددا صغيرا من الوظائف التي لا توجد بها قيمة مضافة كبيرة في سوق العمل، وعلى سبيل المثيل معظم الاستثمارات في المنطقة العربية تجدها في قطاع التعدين والسياحة أو التشييد والبناء، وهذه القطاعات لا تخلق فرص عمل كافية، ولابد أن نرى الاستثمار في قطاعات التصنيع والتكنولوجيا، كما أنه من المهم جداً تغيير السياسات وتوجيه موارد الاستثمار إلى هذه القطاعات.

كيف تقيمين السوق السعودي؟ وأين موقع المرأة منه، وإلى أي مدى كانت عمليات التصحيح الأخيرة إيجابية لضبط السوق؟

التغييرات الأخيرة تسير في الاتجاه الصحيح وتطبيقها إيجابي، أما فيما يخص مشاركة المرأة في سوق العمل بالمملكة، فإنني شاهدت تحسنا واضحا في هذه المشاركة لكن تظل الأرقام منخفضة، ومن الواجب تشجيع وتغيير سياسات أكثر لدخول المرأة السعودية في سوق العمل، وفيما يتعلق بسوق العمل في السعودية وما يشهده من فجوة بين القطاع الحكومي والخاص من ناحية المزايا، مما يدفع الباحثين عن العمل لدخول سوق العمل في القطاع الحكومي، إضافة إلى أن القطاع الخاص معتمد على العمالة الوافدة أكثر من العمالة الوطنية، فيجب إعادة النظر في ذلك.

ما أكثر الأسواق العربية نموا؟ وما الأسباب التي تحد من نموها؟

معظم النمو الحالي متركز في منطقة مجلس التعاون الخليجي، وإذا نظرنا على باقي الدول العربية نلاحظ تباطؤ النمو، وحتى النمو في مجلس التعاون الخليجي لا يزال غير قادر على استيعاب الباحثين عن العمل، وخاصةً وجود الفجوة ما بين القطاعين العام والخاص وعدم المواءمة بينهما.

إلى أي مدى أثرت أزمة الربيع العربي على تدني مستوى التشغيل في المنطقة؟ وكيف تقيمون أداء اقتصاديات الدول العربية بعد أزماتها السياسية؟

أي كارثة تحصل في أي منطقة ستكون لها ردة فعل سلبية على الاقتصاد سواء كانت طبيعية أو من البشر، وعندما تكون الكارثة سياسية فإن القطاع الخاص لا يستثمر في الأماكن غير الآمنة، وهذا يؤدي إلى بطالة أعلى وتراجع في نمو الاقتصاد.

فيما يتعلق بسورية، كم تحتاج من أعوام لإعادة بنائها بناء على الوضع الحالي؟ وكم سيكلف ذلك؟

يمكنني القول إن الوضع في سورية مأساوي، وما نراه هناك مفجع، وهنا لا يفوتني أن أشكر الشعب السعودي على ما يقوم به من دعم للاجئين السوريين، أما فيما يتعلق بالبنك وما يقوم به في الشأن السوري، فإننا لم نجر أي تقرير اقتصادي عن سورية لقياس الأثر عليها جراء ما يحدث من انتهاكات وتدمير للبنية التحتية، ولعمل تقرير عن اقتصاد سورية لا بد من معرفة ما تم تدميره، في حين أن البنك أجرى تقارير عن ليبيا واليمن.

تبنت مجموعة العشرين زيادة الناتج الاقتصادي بنسبة 2% خلال خمس السنوات المقبلة، كيف ترين هذه الخطوة وتأثيرها على دول المجموعة؟

أي زيادة في الناتج تعد إيجابية، ونأمل من هذه الزيادة أن تساهم في النمو الاقتصادي.

أخيراً، ما توقعاتك لنمو الاقتصاد العالمي وارتفاع معدلات التوظيف فيه، بعد اجتياز الأزمات المالية المتتالية؟ وما هي المناطق المرجح لها بالنمو السريع؟

البنك يقوم على إصدار تقريرين خلال السنة عن النمو في العالم، ونتوقع أن يكون النمو في منطقة آسيا، وفي حال تراجع النمو في آسيا سيؤثر على اقتصاديات العالم، ونأمل أن يكون النمو في آسيا مستمراً وخصوصاً للبلدان المرتبطة بعملة الدولار واليورو لكي لا نرى أي تأثيرات سلبية على المناطق الأخرى.