قصص متشابكة وأوضاع غير مستقرة يعيشها أبناء السعوديات المتزوجات بأجانب، الذين يأتي حلم الحصول على «الجنسية السعودية» في قمة طموحاتهم، للتمتع بالامتيازات كافة المتاحة لحاملي الجنسية، خصوصا ما يتعلق بفرص الدراسة والعمل والعلاج والابتعاث وغيرها من الأمور التي يشهد فيها أبناء السعوديات المتزوجات بأجانب عراقيل متعددة، ورغم هذه العراقيل إلا أن السعودية أخذت على عاتقها تعديل أوضاعهم، وفتحت مجالات واسعة في التعليم والابتعاث والصحة.

وتحكي سيدة رمزت لنفسها بأم عبد الملك (وهي سعودية متزوجة بعربي) قصة أبنائها، قائلة: «تزوجت منذ 25 عاما، ولدي خمسة أبناء، اثنان منهم يحملان الجنسية السعودية، والبقية يتبعون جنسية والدهم، وفي كل مرة أسمع فيها عن قرار يتعلق بالمقيمين أضع يدي على قلبي خوفا من بُعد أولادي عني أو تشتت أسرتي في يوم ما»، مضيفة: «أبنائي لا يعرفون إلا هذا البلد، ولا يتكلمون إلا اللهجة السعودية، ويعتزون بنشأتهم على هذه الأرض».

سيدة أخرى متزوجة بعربي، رمزت لنفسها بأم حسام، وتختصر الحديث عن أبنائها بالقول: «جميعهم تفوقوا دراسيا، ولم يجدوا إلا وظائف في القطاع الخاص، لكن بأجور ضعيفة تعادل نصف راتب الموظفين السعوديين، فقط لأنهم لا يحملون الجنسية السعودية»، وتضيف: «التعديلات الأخيرة في نظام التجنيس أجّلت الحصول على الجنسية، التي منها أن أثبت أن جدي سعودي وهو متوفى منذ أكثر من 80 عاما».

وكانت هناك مطالبات أثارت الجدل - حديثا - حول إمكانية إجراء تحديثات في اشتراطات تجنيس أبناء السعوديات المتزوجات بأجانب، خصوصا ما يتعلق بإلغاء شرط إثبات أن «جد الأم» سعودي، الذي يحوز على نصيب الأسد من النقاط السبع التي جرى إقرارها قبل نحو عامين، وهو ما نفاه محمد الجاسر، المتحدث الرسمي للأحوال المدنية، خلال اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»، قائلا «لم يطرأ أي تعديل على ما صدر سابقا».

من ناحيته، قال الدكتور مفلح القحطاني، رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لـ«الشرق الأوسط»: «نحن في الجمعية نعوّل على صدور نظام زواج السعوديين بغيرهم، الذي يُدرس حاليا من الجهات ذات العلاقة، ونثق أنه عند صدوره سيسهم في حفظ حقوق الجميع ويبين الآليات الواجب اتباعها في ما يتعلق بحقوق العنصر الأجنبي في مثل هذه العلاقات، خصوصا أن الزواج بأجنبية أو أجنبي يطرح الكثير من الإشكاليات في ما يتعلق بموضوع الإقامة والعمل والعلاج، وما يترتب بالنسبة للأبناء من حيث الجنسية وإمكانية الحصول عليها».

وعن لائحة النقاط، يقول القحطاني: «هنا دخلنا بموضوع آخر حول إشكالية (هل جد الأم سعودي أم غير سعودي؟)، فبعضهم لا يحمل أوراقا ثبوتية وأحيانا يصعب استخراجها من السجلات، بالتالي تظهر مشكلة جديدة في نظام النقاط»، وأردف قائلا: «توجد الكثير من الإشكاليات، لكنّ هناك جهودا مبذولة في الفترة الأخيرة ونأمل أن تستكمل الإجراءات في هذا الجانب، وأعتقد أن صدور نظام زواج السعوديين بغيرهم سيسهم في حل بعض الإشكاليات التي تواجه أبناء السعوديات المتزوجات بأجانب».

من جهتها، ترى الدكتورة ثريا العريض، عضو مجلس الشورى السعودي، أن «حق أبناء السعوديات المتزوجات بأجانب في الحصول على الجنسية هو حق سيادي»، وتضيف في حديثها لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «في كثير من الدول لا تستطيع المواطنة إعطاء أبنائها حق الجنسية لكونهم يتبعون والدهم»، وعن هذه الشريحة تقول: «نحن نجد أن أبناء المواطنة السعودية المتزوجة بأجنبي لهم حق التعليم، لكن هناك صعوبة تواجههم عند الانخراط في العمل، وهذا ما لمسته لدى بعضهم».

وترى العريض أنه «إن كان هناك ما يؤكد أن دماء الشخص تعود إلى الأسرة وتنتمي إلى الوطن فهي العلاقة جسديا بأمه المواطنة»، مضيفة: «حقوق الأم ذاتها منتقصة، حيث في معظم العالم تشمل حقوق مواطنة الأم والأب حق المواطنة لأبنائهما دون تمييز، بل إن بعض الدول تمنح حق المواطنة لمن يولد على أرضها بصورة أوتوماتيكية مقننة، وغريب فعلا أن نجد من يعارض أو يعرقل رفع هذه المعاناة عمّا يقارب 750 ألف سعودية متزوجة بحامل جنسية أخرى».

أما الدكتورة سهيلة زين العابدين، عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، فتصف شروط حصول أبناء السعوديات المتزوجات بأجانب على الجنسية بـ«التعجيزية»، قائلة: «ربطوا النقاط السبع بأمور من الصعب إثباتها، منها كون جد الأم لأبيها سعوديا، وهذا تعجيز لأن بعض السعوديات توفي جدها قبل إصدار التابعية السعودية، الأمر الذي يعرقل حق حصول الأبناء على الجنسية».

وبسؤال سهيلة زين العابدين عما إن كان إسقاط شرط جد الأم سيمثل حلا جوهريا في ذلك، تجيب قائلة: «لماذا نخضع لهذه النقاط من الأساس؟ فهناك دساتير لدول عدة تنص على أن من كانت أمه مواطنة يحصل على الجنسية منذ لحظة ميلاده»، وأكدت زين العابدين أن عدم استطاعة الأم المواطنة منح جنسية بلدها لأبنائها يعني أنها «ناقصة المواطنة»، بحسب قولها، وأوضحت خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط» ملامح معاناة أبناء السعوديات المتزوجات بأجانب، قائلة: «ليس لهم حق الابتعاث، وحتى في دخول المدارس الحكومية، فإذا كانت المدرسة لا يوجد فيها أماكن إلا للسعوديين فلا يقبلون فيها، لذا نجد أن معظم الأمهات السعوديات المتزوجات بأجانب يدخلن أبناءهن مدارس أهلية».

وأردفت سهيلة: «يجدون صعوبة كذلك في القبول داخل الجامعات، ويستثنون من التعيين كمعيد أو في إكمال الدراسات العليا في الجامعة حتى وإن أثبتوا تفوقهم العلمي»، وأشارت كذلك إلى كون أبناء السعوديات المتزوجات بأجانب لا يجدون وظائف في القطاع الحكومي، وفي حال جرى تعيينهم في القطاع الخاص فإن ذلك يكون نظير أجور زهيدة، وهو ما تعلق عليه بالقول: «هذه الأمور قاصمة للظهر بالنسبة للأم السعودية»، مؤكدة على ضرورة إصدار قرار حاسم يريح المواطنة السعودية المتزوجة بأجنبي، قائلة: «نتمنى إعطاء المرأة السعودية حق منح الجنسية لأبنائها دون شروط ولا نقاط»، مشيرة إلى كون معظم هؤلاء السيدات متزوجات بأزواج أجانب بحكم القرابة من جهة الأم، على اعتبار أن والدها «سعودي» تزوج أجنبية ثم تزوجت ابنته بأحد أقارب والدتها.

وبحسب التعديلات الجديدة التي نصت عليها اللائحة التنفيذية لنظام الجنسية السعودية لأبناء السعوديات الصادرة قبل نحو عامين، يظهر بأن إقامة ابن المواطنة السعودية دائمة في السعودية عند بلوغه سن الرشد يحصل على نقطة واحدة، وفي حال كان يحمل مؤهلا دراسيا لا يقل عن الشهادة الثانوية يحصل على نقطة واحدة، وإذا كان والد الأم وجدها لأبيها سعوديين يحصل على ست نقاط، وإذا كان والدها فقط سعودي الجنسية يحصل على نقطتين، وإذا كان لصاحب الطلب أخ أو أخت فأكثر سعوديون يحصل على نقطتين، وإذا حصل صاحب الطلب على سبع نقاط كحد أدنى توصي اللجنة بالمضي في دراسة طلبه، وإن لم يحصل على هذا الحد ترفع اللجنة توصية بحفظ طلبه مع إفهام صاحب الطلب ذلك.