على تلة من الركام يراقب الشاب الفلسطيني أحمد عاشور غروب الشمس، يتمنى غداً أفضل وتحت أقدامه ركام منازل دمرتها الحروب الثلاث على قطاع غزة.
عاشور ابن مخيم الشاطئ للاجئين بمدينة غزة، يهرب على تلة الركام من أزمة انقطاع التيار الكهربائي اليومية لمشاهدة الغروب والسمر مع أصدقائه عن حياة كانت هنا!
لا يمنع ركام المنازل أبناء المخيم من الجلوس فوق تلة أنقاض منازلهم وذكرياتهم، التي دمرها الاحتلال في عدوانه الأول على غزة.
متعة فوق الدمار!
يجلس الشاب الفلسطيني بشكل يومي على "جزيرة الركام" برفقة أصدقائه الذين يأتون من مناطق بعيدة إلى مدينة غزة. يعبر الشباب عن حبهم للمكان وشعورهم بالارتياح فيه رغم ما يحمله من ذكريات أليمة.
عاشور قال لـ"هافينغتون بوست عربي" إنه يجلس في هذه المنطقة بشكل شبه يومي لمراقبة الغروب، موضحاً أن الإطلالة من أعلى جزيرة الركام المرتفعة عن سطح البحر ووجود مقاهٍ بها جعل منها متنفساً لأهالي مدينة غزة.
أحمد سلامة يأتي إلى التلة من منطقة الشجاعية شرق مدينة غزة، أكثر من مرة أسبوعياً، للاستمتاع بالمنظر من الأعلى المنطقة. ورغم تشكلها من ركام المنازل التي خلفتها الحروب على قطاع غزة، يقول سلامة لـ"هافينغتون بوست عربي" إنه يشعر بالارتياح في المكان.
سلامة يأخذ أسرته الصغيرة من حين لآخر للجلوس في هذه المنطقة ومراقبة الغروب والتسامر، ويوضح الشاب الفلسطيني أن أسعار الخدمات التي تقدمها المقاهي على التلة تشجع الزائرين.
من الخوف إلى التسلية
لم ينشئ سكان المخيم التلة في البداية للترفيه والجلوس عليها لمشاهدة منظر البحر، بل إن أبوجميل أبوسيف (صاحب الفكرة) أنشأ التلة من ركام المنازل حتى يمنع زحف ماء البحر على سكان المخيم خصوصاً في فصل الشتاء.
بسبب عدم وجود مشاريع من قبل الحكومة لحماية سكان المخيمات، يقول أبوجميل لـ"هافينغتون بوست عربي"، فكرنا في جعل حاجز بين المخيم وأمواج البحر.
جمع أبوسيف ركام المنازل المدمرة جراء العدوان على قطاع غزة عام 2008-2009 وبدء بوضعها على شاطئ البحر لتشكل شبه جزيرة صغيرة تمتد داخل المياه لأقل من أمتار.
وأوضح الرجل أن هذه البقعة الصغيرة على شاطئ البحر أصبحت متنفساً لسكان المنطقة لتواجدها داخل المياه وارتفاعها. تعج التلة بالمواطنين فترة الغروب، يضيف أبوجميل، ومن هنا جاءت فكرة المقهى المتواجد أسفل منزله. ويوفر صاحب الفكرة مجموعة من الطاولات والكراسي للمواطنين ويقدم المشروبات بأسعار رمزية.
الإقبال الكبير على المقهى الجديد دفع أبوجميل لجمع المزيد من ركام المنازل وبدء تشكيل منطقة أوسع داخل البحر حتى أصبحت المنطقة تستوعب عدداً كبيراً من محبي مراقبة الغروب، ليكون ركام الحرب متنفساً للمواطنين في مشهد بدا فيه الإصرار على الحياة من جديد رغم الألم الذي تقف عليه أقدامهم.
هكذا انتشرت الفكرة
أوضح أبوجميل لـ"هافينغتون بوست عربي" أن الحروب على قطاع غزة خلفت الكثير من الركام الذي كان يسبب العديد من المشاكل في الحرب الأولى والثانية بسبب عدم وجود طريقة للتخلص منه. وكان الرجل يعمل على جمع القدر الأكبر منه لبناء شبه جزيرته الصناعية بهدف حماية منزله ومنازل جيرانه، بالإضافة لجعلها متنفساً للمواطنين ومصدراً لكسب الرزق من خلال المقهى الذي يمتلكه.
انتشرت فكرة وضع ركام المنازل المدمرة في البحر في المنطقة الشمالية لميناء غزة البحري، وبدأ العديد من المواطنين بتطبيقها لحماية منازلهم وافتتاح مقاهٍ عليها تشكل متنفساً للمواطنين من كافة مناطق قطاع غزة.
وطالب أبوجميل المؤسسات الدولية الداعمة للقطاع بالعمل على توفير مشروع لحماية منازل المواطنين في مخيم الشاطئ من تقدم البحر، لما يسببه من رعب لسكان المنطقة خوفاً من انهيار منازلهم بسبب وصول أمواج البحر إليها.