قالت السعودية، على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير، أمس، إن هناك مؤشرات على إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في اليمن، راهنا تحقيقه بالتزام الانقلابيين بالهدنة.
وأوضح الجبير في لقاء مع عدد محدود من القنوات والصحف العالمية حضرته «الشرق الأوسط» في مقر السفارة السعودية بلندن بحضور الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز السفير السعودي لدى المملكة المتحدة، أن السعودية تأمل في إنهاء الأعمال القتالية في اليمن «أمس قبل اليوم» والانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار التي التزم التحالف بدعمها، مؤكدا أن السلام مرهون بمدى التزام الانقلابيين بشروط الهدنة. ولفت الجبير إلى أن المبعوث الأممي لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد دعا إلى هدنة الأحد، وهناك مؤشرات على أن الأطراف المعنية قد تقبلها، إلا أن نجاحها مرهون باحترام الانقلابيين بشروطها وعدم انتهاكها.
وأشار الجبير إلى أن الانقلابيين انتهكوا نحو 70 مرة اتفاقات لوقف الأعمال القتالية، بما فيها فترة المفاوضات في الكويت التي اتسمت بتجاوزات من قبلهم على الحدود السعودية. وأطلق الحوثيون المدفعيات على السعودية، وقتلوا الجنود على الحدود كما حاولوا التسلل إلى داخل أراضيها. وتابع: «نحن نحاول الاستمرار في ضبط النفس، نجد المبعوث الأممي الخاص يطرح مقترحاته على طاولة المفاوضات، فتقبل بها الحكومة اليمنية بصعوبة بالغة، في حين يرفضها الحوثيون، فتستمر الحرب».
وردًا على سؤال حول حادثة مجلس العزاء بصنعاء، قال الجبير إن الغارة التي أودت بحياة 140 شخصًا كانت مبنية على معلومات استخباراتية مغلوطة وردت من جهة تابعة لرئاسة هيئة الأركان العامة اليمنية. وأضاف الجبير أن النتائج الأولية للتحقيق التي يقوده الفريق المشترك لتقييم الحوادث تشير إلى أن المعلومات التي أوردها الجيش اليمني أفادت بوجود قيادات حوثية مسلحة في موقع محدد في مدينة صنعاء. ولفت إلى البيان الذي أصدره الفريق، والذي أفاد بأن جهة تابعة لرئاسة هيئة الأركان اليمنية أصرت على استهداف الموقع بشكل فوري باعتباره هدفا عسكريا مشروعا. وأضاف الجبير أن الهجوم نفّذ دون الحصول على توجيه من الجهة المعنية في قيادة قوات التحالف، ومن دون اتباع الإجراءات المعتمدة من قيادة قوات التحالف للتأكد من عدم وجود الموقع ضمن المواقع المدنية محظورة الاستهداف.
أما عن تداعيات الحادث، فأوضح الجبير: «التحالف أعرب عن أسفه للحادث، والتحقيقات متواصلة. وستحاسب الجهات المسؤولة عن المعلومات الخاطئة وتلك التي وافقت على الغارة والتي نفذتها، كما ستراجع الإجراءات المعتمدة لتفادي وقوع الخطأ نفسه مرة أخرى، وستعوض عائلات الضحايا».
وفي مستهل إجابته، ذكّر الجبير بما اقترفه الحوثيون من عرقلة للتحول الديمقراطي في اليمن بعد أن أسقط الشعب اليمني نظام صالح، وفي وقت كان اليمن فيه متجها نحو إنشاء دستور يضمن حقوق المواطنين كافة ويختار عبره اليمنيون ممثليهم. إلا أن استخدام الحوثي للقوة العسكرية لفرض شروطهم ودخولهم إلى العاصمة صنعاء عرقل هذا المشروع الرائع، وقاد إلى سقوط اليمن في فوضى الحرب. وأكّد الجبير أن العمليات التي يقودها التحالف هي لإنقاذ اليمن وإعادة الشرعية.
أما عن اتهامات بعض المنظمات الحقوقية الموجهة للسعودية باستخدام قنابل عنقودية بريطانية الصنع من طراز (BL - 755) في اليمن، أكّد الجبير أنها عارية من الصحة تماما. وقال وزير الخارجية السعودي إن هذه المزاعم مستحيلة، موضحا أن السعودية اشترت القنابل العنقودية من بريطانيا في الثمانينيات من القرن الماضي، وأن مدة صلاحيتها لا تتجاوز 20 سنة وأصبحت غير قابلة للاستعمال عام 2005، كما أن بريطانيا وقعت اتفاقيات حظر استخدام الذخائر العنقودية والألغام تتعهد فيها بوقف مبيعات هذا النوع من السلاح. وتابع الجبير: «كما أن طائراتنا، وهي طائرات التورنيدو التي قمنا بشرائها من بريطانيا، عندما تم تعديل الأنظمة القتالية الإلكترونية فيها لموائمة الذخائر الجديدة، لم تعد مجهزة لإطلاق الذخائر العنقودية وذلك لأن بريطانيا وقعت على تلك الاتفاقية بهذا الخصوص». وأضاف متسائلاً: «إذا كان لديك ذخيرة فاشلة (أو عديمة المفعول)، ولديك منصّة، وهي الطائرة، التي لا يمكنها استخدام تلك الذخيرة، فكيف يمكننا أن نقوم بإلقاء الذخيرة؟ أين المنطق في هذا؟».
وفيما يتعلق بالاتهامات بقصف التحالف مدارس ومستشفيات، فقد أوضح الجبير: «قام الحوثيون وصالح بتحويل المدارس والمستشفيات والمساجد إلى مراكز للقيادة والسيطرة، وتحويلها إلى مستودعات للأسلحة، وبذلك لم تعد أهدافًا مدنية، بل أهداف عسكرية، قد تكون مدرسة منذ عام ولكنها لم تكن مدرسة عندما تم قصفها، فعندما يكون لديك مبنى كان في السابق مدرسة، وأصبح مستودعا للأسلحة، فإنه لم يعد مدرسة، بل هو مستودع للأسلحة».
أما فيما يتعلق بسوريا، فقد أكّد الجبير عن أمله في التوصل إلى حل سياسي لوقف الحرب، مشيرًا إلى أن بلاده لن تتوقف عن توفير تسليح المعارضة المعتدلة للدفاع عن أنفسهم ضد النظام والجماعات الإرهابي كالنصرة و«داعش». كما شدد الجبير على ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق نار فوري، إذ أن العمليات العسكرية أوقعت آلاف الضحايا المدنيين الأبرياء.
وفي الملف العراقي، رحب الجبير بالعمليات العسكرية لتحرير الموصل، مؤكدا أن «داعش» سيهزم. كما عبر وزير الخارجية السعودي عن مخاوفه من وقوع «حمام دم» في المدينة. وحذر أيضًا من مشاركة ميليشيات شيعية متطرفة في العملية، مشيرًا إلى أنه في حال ارتكبت هذه الميليشيات مجازر بين المواطنين السنة أو غيرهم من مكونات الموصل، فإن ذلك سيصب في مصلحة الإرهابيين والمتطرفين. وقال الجبير إنه بعد أحداث الفلوجة، والتي ارتكبت خلالها الميليشيات الشيعية مجازر أودت بالمئات، ارتفع الإقبال على المواقع الإرهابية بنسبة 150 في المائة.
على صعيد متصل، قال الجبير في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب» الذي أقره الكونغرس الأميركي، متجاوزًا الفيتو الرئاسي، يهدد بفوضى في العلاقات الدولية التي تقوم على مبدأ احترام سيادة الدول الذي وضعت قواعده معاهدة وستفاليا لعام 1648، والتي أقرت استقلال وسيادة الدول ووضعت أسس النظام الدولي المعاصر. وأضاف الجبير أنه بعد تصويت الكونغرس بغرفتيه لصالح القانون، أصدر عدد من النواب والأعضاء في مجلس الشيوخ بيانا يطرح مخاوفهم من تداعيات القانون على الأمن القومي الأميركي. وقال الجبير إن ذلك أشار إلى أن عددا منهم لم يقرأوا نص القانون ولم يفهموه جيدا، وانقادوا وراء المشاعر القوية التي تزامنت مع الذكرى الـ15 لهجمات 11 سبتمبر (أيلول). وأضاف الجبير: «نتعاطف مع ضحايا الهجمات، وندعم مطالبهم بالعدالة. إلا أن طرق باب السعودية بحثا عن المسؤولية وراءها طريق خاطئ ومغلوط، إذ إن كل التحقيقات أكّدت براءتها، كما أن الوثائق التي حصلت عليها الولايات المتحدة بعد مقتل أسامة بن لادن في مكان اختبائه بأبوت آباد لم تشر قط إلى السعودية». وتابع الجبير متسائلا: «ماذا لو اتخذت دول العالم إجراءات مماثلة؟ وقاضى مواطنو العراق وأفغانستان وفيتنام وسوريا واليمن الولايات المتحدة؟ وماذا لو قاضى مواطنون في دول أفريقية بريطانيا لما اقترفته خلال فترات الاستعمار؟ ستتحول العلاقات الدولية إلى قوانين الغابة». أما عن إمكانية تعديل القانون، قال الجبير: «نتمنى أن يقوم الكونغرس بمعالجة هذه المسألة في أقرب وقت ممكن. فالمستفيدون الوحيدون من هذا القانون هم المحامون».