عبَّر فرانسوا فيون، السياسي الفرنسي اليميني، في أغسطس/آب 2016 عن أسفه لوجود كتب مدرسية توجِّه الأطفال إلى الشعور بـ"الخجل" من آثام ماضي فرنسا الإمبراطوري.
لا نسعى لمشاركة ثقافتنا
قال فيون في خطاب له: "لا، فرنسا لم تكن آثمة في سعيها لمشاركة ثقافتها مع شعوب إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية". لقد بنى فيون تأطيره لتاريخ الاستعمار -تماماً كما تفعل جميع الإمبراطوريات- على السيطرة والعنف والاستغلال، ببساطة مثيرة للدهشة مجرد "نشر للثقافة". لكن هذا لم يؤدِ إلى إضعاف نجمه السياسي، وفق ماجاء في صحيفة washingtonpost
فاز فيون، هذا الأسبوع، بالانتخابات التمهيدية لحزب الجمهوريين اليميني، وأصبح واحداً من بين المرشحين البارزين للانتخابات الرئاسية العام المقبل. إنه ليس مجرد مرشح يميني عادي، ففي عامٍ مالَ فيه البساط في الغرب إلى الشعبوية والقومية المتشددة –وفي وقت يلوح فيه بقوة ترشُّح مارين لوبان من الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة في فرنسا– يتبنّى فيون العديد من قضاياهم.
يلعب على وتر التهديد الذي يشكّله الإسلام
إنه يلعب على وتر الإسلام، وبشكل عام يُندد بقوة بأخطار التعددية الثقافية، ويعارض الوضع الراهن لليبرالية الأوروبية ويبدي إعجابه بحكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكما أوضح منذ عدة أشهر، فإنه مولع بلحظة كانت أكثر بساطة، ونصاعة، ومجداً من تاريخ فرنسا السياسي.
ويفسِّر جيمس ماكاولي "انتصار فيون" في الانتخابات التمهيدية ليمين الوسط على أنه "يمثل تحوُّل الأيديولوجية المتطرفة للحزب إلى كونها التيار السياسي السائد فيه".
سيواجه ابنة المشارك في تعذيب الثوار الجزائريين
يتبقّى الآن فقط أن يواجه فيون مارين لوبان، التي أسس والدها جان ماري لوبان المؤمن بـ"التفاوت بين الأعراق" والمشارك المزعوم في تعذيب الثوار الجزائريين إبّان حرب التحرير من الاستعمار الفرنسي، أسس الجبهة الوطنية. وقد قامت الجبهة الوطنية التي تنتمي إليها لوبان –وتعتبر الآن حاملة لواء اليمين المتطرف في أوروبا- كحزب لقدامى المحاربين الساخطين، والمستوطنين الفرنسيين والإمبرياليين.
طيف الإمبراطورية لا يحوم فقط في سماء فرنسا. فقد تبنّى سياسيو بريطانيا الداعمون للخروج من الاتحاد الأوروبي –والذين أحرزوا نصراً صادماً في استفتاء حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هذا الصيف- تراث بلادهم الإمبريالي على أنه الترياق للتخلي عن المشروع الأوروبي.
وقد أعلن حزب الاستقلال البريطاني اليميني المتطرف، أن بريطانيا بدون اتحاد أوروبي سترحب بمستعمراتها السابقة بشركاء تجاريين أوثق. وأطلق على موقعه الإلكتروني شعار "خارج الاتحاد الأوروبي، العالم هو محارتنا، والكومنولث هي الجوهرة بداخلها". ومع ذلك، فإن المستقبل الذي يتوقعه منتقدو الخروج من الاتحاد الأوروبي هو ذلك الذي ينكمش فيه دور بريطانيا في الساحة الدولية بشكل مغاير لتلك الأيام الذهبية التي كانت فيها القوة العظمى الأولى في العالم.
أوباما يكره بريطانيا!
مع ذلك، يبقى الحنين إلى الإمبراطورية حجر الزاوية في السياسات القومية. ولم يخفِ زعيم حزب الاستقلال نايجل فاراج إزدراءه لليبراليين الأوروبين، وكذلك للرئيس أوباما الذي كان قد حذّر المصوِّتين البريطانيين من الخروج من الاتحاد الأوروبي. وألمح إلى أن أوباما لديه تحيُّز موروث ضد بريطانيا.
قال فاراج، المؤيد البارز للرئيس المنتخب دونالد ترامب: "أعتقد أن أوباما، بسبب جده وكينيا واستعمارها، يحمل قليلاً من الضغينة لهذا البلد". وفسّر بوريس جونسون، وزير الخارجية البريطاني والقائد السياسي الآخر الداعم للخروج من الاتحاد الأوروبي، اعتراض أوباما على الخروج من الاتحاد الأوروبي على أنه نتيجة "كراهية أجداد" أوباما المزعومة لبريطانيا.
قبل أن يصبح جونسون كبير دبلوماسيي بريطانيا، كان توّاقاً إلى حد ما لقول أشياء غير دبلوماسية. وأشار في إحدى المرات إلى أن سكان بابوا غينيا الجديدة هم "أكلة لحوم بشر". وقد احتفى بالحكم الإمبريالي البريطاني حينما كان كاتب عمود محافظاً بارزاً. وكتب في إحدى المرات أن "القارة الإفريقية ربما تكون وصمة عار، لكنها ليست وصمة عار على ضمائرنا". "المشكلة ليست أننا كنا في موقع المسؤولية هناك يوماً، بل المشكلة أننا لم نعد في موقع المسؤولية".
غطرسة ترامب
وغطرسة مشابهة تظهر في نفاد صبر ترامب على العالم خارج الولايات المتحدة. فبينما حملة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" الخاصة به تلعب على وتر الحشد الشعبوي في الداخل، فإنها ترتكز على رؤية لأميركا القوية التي لديها القليل من الاهتمام بالدبلوماسية متعددة الأطراف، أو أساليب التعامل مع النظام العالمي الليبرالي.
ما الطريقة الأخرى التي يمكن بها تفسير الافتراض المثير للسخرية بأن المكسيك سوف تموِّل جداراً على حدودها؟ أو غبطة ترامب أثناء الحملة الانتخابية عندما روى أسطورة إبّان الاحتلال الأميركي للفلبين عندما قيل إن ضابطاً أميركياً قد قتل متمردين مسلمين برصاصات غُمِست في دم خنزير.
وتتناول الصحفية ساشا بولاكو-سورانسكي في إحدى المقالات الثاقبة في صحيفة "الغارديان" البريطانية، حول "إعادة الترويج" لليمين المتطرف، كيف أن بعض المبادئ الأساسية للتفكير اليساري في القرن العشرين، مثل حركات مكافحة العنصرية ورفض الاستعمار "قد أصبحت تفكيراً للمؤسسة" في الكثير من دول الغرب. ومن ثَمَّ فهي الآن في مفترق طرق بين القومية ورد الفعل العكسي المناهض للمؤسسة.
ويرى الصحفي الهولندي الليبرالي باس هايني أن "البيروقراطية قد سيطرت على المثالية". ويضيف: "عندما تفرض المؤسسة التوجُّه العالمي، فإنك تقوم برد فعل ضدها".