منذ ما يقرب من 50 عاماً ونحن نمدح في مميزات فيتامين C لمنع وعلاج نزلات البرد.

لكن يبدو أن تناول مكملات حمض الأسكوربيك لمنع ظهور أعراض البرد يظل دون أي فائدة تقريباً، بحسب النسخة الكندية لـ "هافينغتون بوست".

أصل هذه الشائعة

يعتبر الكيميائي الأميركي، لينوس بولينغ، الذي فاز بجائزة نوبل في مجال عمله عام 1954، إلى جانب فوزه بجائزة نوبل للسلام عام 1962، هو السبب في انتشار تلك الشائعة.

فبحلول أواخر الستينيات، افترض الكيميائي أننا نحتاج إلى استهلاك جرعات فيتامين C أكبر بكثير من الحصص اليومية الموصى بها للحفاظ على صحة جيدة، والعيش لفترة أطول، وللوقاية من الأمراض.

وقد وصل الأمر إلى تناوله 18,000 ملغ من فيتامين C يومياً، أي 200 ضعف الجرعة الموصى بها من 90 ملغ!

فيما نشر عام 1970 كتاب فيتامين C ونزلات البرد. وأوصى بتناول 1,000 ملغ يومياً من فيتامين C للحد من خطر الإصابة بالبرد، للتقليل من مدته وشدته، وتمثل 11 ضعف الجرعة اليومية الموصى بها.

ونال كتاب بولينغ نجاحاً كبيراً. وبحلول منتصف السبعينيات، اتبع أكثر من 50 مليون أميركي توصياته وتزايدت مبيعات فيتامين C أربعة أضعاف في الولايات المتحدة. وقام كل من الصيادلة وصانعي الأدوية بتبادل التهاني بما يطلقون عليه "تأثير لينوس بولينغ" على نجاح أعمالهم.

لكن العلماء لم يكونوا متحمسين لذلك. فقد أثبتت العديد من الدراسات أن فيتامين C ليس له قيمة أكثر من كونه علاجاً وهمياً لمحاربة نزلات البرد، فيما رفض بولينغ أن يصدق ذلك ووصل به الأمر ليؤكد أن الجرعات العالية اليومية من فيتامين C يمكن أن تشفي من السرطان. ولكن هذه قصة أخرى.

السؤال هنا، هل كان بولينغ مصاباً بـ "النوبلية" (نسبة إلى نوبل)، وهو عَرَض يدفع بعض الفائزين بالجوائز إلى تبني نظريات غريبة وغير علمية في السنوات التالية لحصولهم على هذه الجائزة؟ ومع ذلك، جعل هذا العناد لينوس بولينغ يفقد احترام المجتمع العلمي وجعله يسقط في غياهب النسيان حتى وفاته في عام 1994 نتيجة لإصابته بالسرطان.

لا يمنع أعراض البرد

اهتم تحليل لمجموعة كوشران نُشر عام 2013، بإظهار نتائج 29 دراسة شملت أكثر من 11,000 مشارك، إذ بينت أن تناول فيتامين C على أساس منتظم ليس فعالاً لمنع نزلات البرد في البشر.

أو بعبارة أخرى، فإن عدد نزلات البرد لا يزال هو نفسه، سواء تعاطينا فيتامين C أم لا.

نزلات البرد بالكاد تبقى مدة أقصر

أظهرت نتائج التحليل أن الاستخدام المنتظم لمكملات فيتامين C يقلل من مدة 8% من نزلات البرد في المتوسط بين البالغين، و14% في المتوسط بين الأطفال.

وقد حققت معظم الدراسات هذه النتائج مع جرعة 1,000 ملغ في اليوم الواحد.

فيما يقدر أن الكبار يصابون بدورين أو ثلاثة أدوار من نزلات البرد سنوياً، لمدة 12 يوماً في السنة في المتوسط، وتناول 1,000 ملغ من فيتامين C كل يوم من شأنه أن يقلل هذا المتوسط إلى 11 يوماً. أما الطفل، فسوف يمرض 24 يوماً في المتوسط بدلاً من 28 يوماً.

من الجانب العملي والاقتصادي، لا معنى لاستيعاب جرعات كبيرة من فيتامين C على مدار السنة إذا كانت المنفعة المتوقعة الوحيدة هي خفض متوسط كل نزلة برد بضع ساعات.

وعلاوةً على ذلك، لا يقلل تناول فيتامين C من شدة الأعراض.

بعض الاستثناءات

ومع ذلك، فقد أظهرت الدراسات أن تناول فيتامين C يومياً يمكن أن يقلل من فرص الإصابة بالبرد بين بعض مجموعات معينة من الناس، مثل الجنود في البيئات القطبية الشمالية، والمتزلجين وعدّائي الماراثون.

بالنسبة لعامة الناس، تناول مكملات فيتامين C من أجل منع ظهور أعراض البرد أو علاجه يبدو قليل الفائدة أو حتى غير ضروري تماماً.

الخلاصة

إليكم بعض المعلومات عن تناول فيتامين C:

- الجرعة اليومية الموصى بها من فيتامين C هي 90 ملغ للرجال، و75 ملغ للنساء.

- ويمكن الحصول على هذه الجرعة اليومية عادةً عن طريق اتباع نظام غذائي متوازن.

- أفضل مصادره الحمضيات (مثل البرتقال، والجريب فروت)، والتوت، والخضروات مثل الطماطم، والبطاطا، والقرنبيط، والسبانخ، الخ.

- بالنسبة لعامة الناس، لا ينصح بمكملات فيتامين C، ولا تنصح وكالات الصحة العامة الكبيرة كذلك بتعاطيها لمنع أو علاج نزلات البرد.

- كما لا يستطيع الجسم تخزين فيتامين C، فالزيادة التي تتناولها تخرج مع البول.

- الجرعة القصوى المسموح بها هي 2,000 ملغ.

أما إذا زاد عن هذا الحد، فقد يسبب هذا الغثيان والإسهال واضطرابات الجهاز الهضمي أو تكوّن حصى الكلى.

كيف تكشف الشائعات؟

عندما يتعلق الأمر بالتحقق من المعلومات المتعلقة بالأبحاث الصحية، والكشف عن الشائعات، يوصي بالرجوع لمجموعة كوشران، وهي منظمة دولية مستقلة غير هادفة للربح.

فيما يقوم أكثر من 37,000 من المساهمين في أكثر من 130 دولة على تطوير المراجعات المنهجية تحت اسم "كوشران" عن آثار العلاج أو التدخل في جميع المجالات المتعلقة بالصحة.

وتشكل واحدة من مصادر البيانات الصحية الأكثر ثقةً، كما توفر مكتبة كوشران الآلاف من المجلات العلمية.

ويمكن الوصول إليها من قبل العاملين في المجال الصحي ومن عامة الناس، ولكنها تتيح فقط استنتاجات التحليلات مجاناً.