وسط ترقب عالمي وقلق متزايد وآمال تتلاشى ساعة تِلْوَ الأخرى، تدخل فرق الإنقاذ في سباق مع الزمن لمحاولة الوصول إلى الغواصة السياحية "تيتان" بعد أن فُقدت وعلى متنها 5 أشخاص أثناء الغوص في حطام السفينة "تيتانيك".
قلق لم يأتِ من فراغ ولكنه كان نتيجة شواهد عدة وآراء علمية قللت من احتمالية إمكانية العثور على مَن على متن تلك الغواصة وهم على قيد الحياة لأسباب منطقية وواقعية أبرزها نفاد الأكسجين.
نفاد الأكسجين
واختفت تيتان وعلى متنها خمسة أشخاص بعد وقت قصير من بدء هبوطها الأحد إلى موقع حطام سفينة تيتانيك البريطانية التي غرقت عام 1912 بعد اصطدامها بجبل جليدي، ويقع الحطام على عمق نحو 3810 أمتار في أعماق المحيط الأطلسي.
ورجح خفر السواحل الأمريكي أن كمية الأكسجين على متن الغواصة المفقودة "تيتان" نفدت بالفعل ظهر الخميس، مما يعزز المخاوف بشأن ركابها، إذ إنه وفقا لشركة "أوشن غيت" المشغلة للغواصة، فإن الأكسجين على متن الغواصة يكفي لمدة 96 ساعة في حالة الطوارئ.
ويبلغ طول "تيتان" 6.7 متر، وبدأت نزول الأعماق صباح (الأحد)، وفقدت الاتصال مع المركبة الأم على السطح خلال ما كان ينبغي أن يكون عملية غوص لمدة ساعتين.
موقع "تيتان"
وفق المعلومات المتوفرة، فإن طاقم الغواصة تيتان فقد الاتصال مع سفينتها على السطح "بولار برنس" بعد ساعة و 45 دقيقة من هبوطها في العمق للغوص لرؤية الحطام يوم (الأحد) الماضي.
فيما يرقد حطام "تيتانيك على بعد 1450 كيلومترا تقريبا شرقي مدينة كيب كود بولاية ماساتشوستس الأمريكية، و644 كيلومترا جنوبي مدينة سانت جونز بمقاطعة نيو فاونلاند في كندا، وهو ما يعني أن الغواصة قد تكون قرب هذه المنطقة.
وتساعد الوكالات الأمريكية والكندية والبحرية والشركات التجارية في أعماق البحار عمليات الإنقاذ، التي تدار من بوسطن، ماساتشوستس، باستخدام الطائرات العسكرية وعوامات السونار، وقد انضمت بالفعل سفينة مد الكابلات ديب إنرجي وثلاث سفن أخرى إلى مركبة بولار برنس، بينما هناك المزيد في الطريق.
ويحمل البعض مركبات بدون طيار يتم تشغيلها عن بُعد والتي ستكون ضرورية لتنظيف قاع البحر - على الرغم من أن سفينة الأبحاث الفرنسية "لاتلانت" هي الوحيدة التي لديها مركبات قادرة على الوصول إلى العمق المطلوب للوصول إلى تيتانيك ومن المتوقع أن تصل في وقت متأخر يوم الأربعاء.
كما تجري الطائرات الكندية من طراز P-3 Aurora عمليات بحث باستخدام السونار كما تم نشر عوامات سونار في المنطقة، وكذلك تم نشر عوامات سونار، تكتشف وتتعرف على الأجسام المتحركة في الماء - وغالبًا ما تستخدم في البحث عن غواصات العدو.
وفي هذا الصدد يقول الكابتن جيمي فريدريك، من خفر السواحل الأمريكي، إن أطقما من الولايات المتحدة وكندا "تعمل على مدار الساعة" خلال "جهود البحث المعقدة"، فيما يرى خبير الغواصات من جامعة كوليدج لندن البروفيسور أليستير جريج، أن إحدى المشكلات الكبيرة هي أن رجال الإنقاذ لا يعرفون ما إذا كانوا سينظرون إلى سطح البحر أم في قاع البحر ومن غير المحتمل جدًا أن يكونوا في المنتصف.
غير أن خفر السواحل الأمريكي بث شعاع نور وبريق أمل عندما قال إن الطائرات الكندية المجهزة للعثور على غواصات رصدت ضوضاء في المنطقة، مشيرا إلى أنه يبحث في منطقة تبلغ مساحتها حوالي 20 ألف كيلومتر مربع، فيما قالت وسائل إعلام إن الأصوات تضمنت صوت طرق على فترات متقطعة مدتها 30 دقيقة.
لكن حتى إن تم تحديد موقع الغواصة، ستكون إعادتها تحديا لوجستيا ضخما نظرا للظروف القاسية على عمق أميال تحت السطح، وفق ما يراه مراقبون ومختصون نقلت أحاديثهم وسائل إعلام غربية، وفي السياق ذاته، قال معهد الأبحاث الفرنسي لاستغلال البحار إن روبوتا يمكنه الغوص إلى عمق يصل إلى ستة آلاف متر تحت الماء في طريقه للمساعدة في البحث عن الغواصة.
وأوضح المعهد أن الروبوت المسير المسمى فيكتور 6000، يمكنه الغوص أعمق من المعدات الأخرى الموجودة الآن في المكان الواقع في شمال المحيط الأطلسي، كما أن له أذرعاً يمكن التحكم فيها عن بُعد لقطع كابلات أو تنفيذ مناورات أخرى تساعد في تحرير غواصة عالقة.
إلا أن رئيس العمليات البحرية في المعهد ذاته الذي تديره الدولة أوليفييه ليفور، قال: إن الروبوت، فيكتور غير قادر على رفع الغواصة بنفسه، لكنه يمكنه المساعدة في ربط "تيتان" ويبلغ وزنها عشرة أطنان، بسفينة قادرة على رفعها إلى السطح.
وسائل الإنقاذ الذاتية لـ"تيتان"
مع كل هذه الجهود يبقى السؤال الملح للكثيرين، هو ما هي وسائل الإنقاذ الذاتية التي تحملها "تيتان" وهل يمكنها أن تكون طوق النجاة للغواصة؟ وهل بالفعل حملتها إلى مكان ما وتم الإنقاذ بالفعل لكن يبقى فقط أن يتم العثور عليها طافية على السطح هنا أو هناك؟.
الإجابة هي أن "تيتان" تحمل ثلاثة أنابيب من الرصاص يمكن إسقاطها باستخدام المكونات الهيدروليكية لاكتساب القدرة على الطفو، وإذا فشلت الأنظمة الهيدروليكية، فيمكن لتلك الموجودة داخل الغواصة إمالة الغواصة عن طريق التحرك إلى كل جانب منها، مما يؤدي إلى إطلاق الأوزان المثبتة في كل جانب بواسطة الجاذبية، ويمكن استخدام المحركات لتحرير الأكياس المليئة بطلقات معدنية معلقة أسفل الغواصة.
وإذا لم تكن قادرة على الظهور مرة أخرى بجهودها الذاتية، يقول الأدميرال جون موغر في خفر السواحل الأمريكي إنه ستكون هناك حاجة إلى خبرة إضافية لإنقاذ السفينة من البحرية الأمريكية والقطاع الخاص.
يبقى مصير الأشخاص الخمسة الذين هم على متن الغواصة أو كانوا على متنها، هو القضية الأهم لدى الكثيرين، لا سيما أنه في العمق الذي يوجد فيه حطام "تايتانيك"، سيكون الضغط حوالي 380 ضعف ما يتعرض له الناس على سطح الأرض، وبالنسبة للأنظمة البيولوجية للإنسان، مثل الرئتين، يمكن أن يكون هذا الضغط الشديد كارثيا.
إذ إن تعرض الإنسان "غير المحمي" للأعماق التي كانت "تيتان" تهدف للوصول إليها، سيؤدي إلى تهتك رئتيه، وتمزق طبلة الأذن، فمن المعروف أنه يمكن للأشخاص البقاء على قيد الحياة لمدة 15 دقيقة تقريبا من دون أوكسجين، رغم أنهم سيفقدون وعيهم قبل ذلك، مع احتمال حدوث تلف في الدماغ بعد بضع دقائق فقط من دون هواء.
وإذا حدث مثل هذا الاختراق في هيكل "تيتان"، فمن المرجح أن يتم "سحق" أجسام الركاب، إذ إنه مع الضغط العالي في أعماق البحار والمحيطات، تبدأ الكيمياء الداخلية للجسم في التغير وَفْق ما ذكرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.
وينتج عن هذا أن النيتروجين، الذي يشكل جزءا من الهواء الذي نتنفسه، يصبح أكثر قابلية للذوبان، مما يتسبب في دخوله إلى الدم، ونظرا لأن الأنسجة البشرية تحتاج إلى الأوكسجين وليس النيتروجين للبقاء على قيد الحياة، فإن هذا الخلل يسبب حالة تسمى "تخدير النيتروجين"، حيث يختنق الجسم فعليا من الداخل.