سعت جماعات متطرفة قبل أعوام، بعد أن توقعت أنها وجدت ضالتها في السعودية، لمحاولة إرباك المشهد المحلي في المملكة، عبر الاعتماد على مفهوم "خلط الأوراق"، وضرب المجتمع داخل البلاد ببعضه البعض.
وبعد سنوات من الحادثة المفجعة، التي تجسدت في الاعتداء على المسجد الذي يقع بحي محاسن بالمبرز بمحافظة الأحساء آنذاك، وخلّف مقتل 4 أشخاص، وجرح 36؛ بالإضافة إلى إصابة 3 من رجال الأمن؛ ها هو الحدث عاد للواجهة من جديد، عبر إعلان وزارة الداخلية أمس الاثنين، عن تنفيذ القتل تعزيراً بالجناة الخمسة، الذين تورطوا في ذلك العمل المشين.
ونفذ الجريمة الإرهابية عبدالرحمن عبدالله سليمان التويجري، وطلحة هشام محمد عبده (مصري الجنسية)، وهو الذي جاء برفقة ذويه بتأشيرة زيارة عائلية لوالده المقيم بالمملكة، وأحمد بن محمد بن أحمد عسيري، ونصار بن عبدالله بن محمد الموسى (سعوديا الجنسية).
ومن خلال التمعن بتفاصيل الحادث الغادر، يتضح أن المدعو "طلحة"، كان يتزعم الخلية، وهو الذي نفذ العملية برفقة شخص آخر من خلال محاولة تفجير نفسيهما في المسجد وإطلاق النار على المصلين ورجال الأمن.
ومن جانبٍ آخر، حسب ما توفر من معلومات، فإن "طلحة" كان ينتمي لأحد التنظيمات الإرهابية، التي انضم لها "أحمد ونصار وحمد"، وقد اشتركوا مع الأول في التخطيط وتنفيذ العملية، بالإضافة إلى انضمام "عبد الله" للتنظيم الإرهابي، وتستره على العملية، وعدم ابلاغ الجهات الأمنية عنها، وتحريضه لأحد الهالكين على الانضمام للتنظيم الإرهابي.
وبالعودة سنين للوراء، فقد أخذ تفجير مسجد الإمام الرضا في الأحساء "شرق المملكة" موضعه كأحد "التكتيكات" التي اعتمدت منهجية "الذئاب المنفردة"، في حين تصدت السلطات الأمنية لذلك، بعد أن فهمت الأمر مبكراً، وأن أمراً ما يُحاك، لضرب الصفوف الداخلية للمجتمع، عبر خلق فتنة بين المكونات "السنية والشيعية".
والجماعات المتطرفة التي لا إشكال لديها في تنفيذ مثل هذه الأعمال دون احترام لدور العبادة، تعتمد على منهجية صلبة، تربت عليها من أساسيات "تنظيم القاعدة، وجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية"، ولاحقاً "داعش".
والتفجير الذي شهده مسجد الرضا في 29 يناير 2016، له عدة مبررات، أهمها العجز عن مواجهة الدولة بشكل مباشر، وهي التي – أي الدولة – انتصرت وحققت سجلاً حافلاً في دحر الإرهاب وتقليم أظافره - ما قاد التنظيمات المتطرفة، لانتهاج سياسة "الأحزمة الناسفة"، التي تعتمد بدرجة كبيرة على "التخفي"، والانخراط بين صفوف البشر، دون إظهار لأداة أو ما شابه ذلك، وهذا يعبر عن ارتباكٍ في التخطيط والتنفيذ على حدٍّ سواء.
وبالنظر إلى ذلك العمل الجبان، ورغم تبنى ما يسمى بـ"تنظيم الدولة" تنفيذه؛ فإن ذلك لن يفيد ويُجدي في لم الصفوف الإرهابية لجميع التنظيمات ذاتها، لا سيما في أعقاب أن مُنيت بهزيمة في العراق وسوريا، تسببت لها بنوعٍ من الشرذمة وتشتت الصفوف، لذلك تحول الهدف إلى المملكة، لكسب أكبر قدر من المعنويات لدى تلك الجماعات، وقد تبنت تخطيط إذكاء الفتنة داخل المملكة، لا جلبها - أي الفتنة الطائفية من الخارج -.
وقد ارتدّت تلك العملية على جميع التكتلات المتطرفة في المنطقة، بسبب الجرأة التي كشفت عنها في تجاوز قدسية دور العبادة، واحتشد الرأي العام السعودي، والخليجي، والإسلامي على حدٍّ سواء، وراء إنكار هذه العملية، التي وُصفت بـ"الجبانه والنكراء".
وفيذلك أدلة على صرامة المملكة في التعامل مع التطرف أياً كان شكله أو منهجيته أوطائفته، بأن أمن البلاد خطٌّ أحمر، وأن من يتجاوز على ذلك المفهوم، سينال مصيره،كما ناله من سبقهم من شذاذ الأفاق، من المتعطشين للدماء، وأرباب التخريب والقتلوالفتن، وهو ما أكدت عليه الدولة، وبات نبراساً لا يمكن تجاوزه قيد أنملة، لا من هذه الجماعة أو تلك.