من المرجح ان يكون رئيس الهند المقبل من طبقة "داليت" التي كان يطلق عليها في الماضي اسم "المنبوذين" وتقبع في أسفل السلم الاجتماعي، فيما سيعزز فوز مرشح الحزب الحاكم قبضة رئيس الوزراء ناريندرا مودي على السلطة.
ويعد رام ناث كوفيند (71 عاما) المرشح المفضل بالنسبة للنواب ليحمل لقب رئيس البلاد كمرشح عن حزب مودي، حزب الشعب الهندي (باراتيا جاناتا).
وستكون هذه المرة الثانية التي يتسلم فيها عضو من الفئة المهمشة منصبا من هذا النوع بعد انتخاب كي. آر. نارايانان الذي بقي رئيسا للبلاد منذ عام 1997 إلى 2002.
وسيتم إعلان النتيجة يوم الخميس. وبالنسبة لمودي، الذي وضع نصب عينيه إعادة انتخابه في 2019، ستبعث النتيجة رسالة غاية في الأهمية إلى شريحة انتخابية رئيسية لطالما تعرضت للازدراء.
ويبلغ عدد أفراد "داليت" حوالي مئتي مليون وهم بين أفقر فئات المجتمع الهندي حيث توكل إليهم تقليديا المهمات التي يتعفف أبناء الطبقات الأخرى عن القيام بها.
ورغم الحماية القانونية، تتعرض الطبقات الدنيا الى تمييز ممنهج حيث يحرم أفراد "داليت" من التعليم ومن فرص تحقيق تقدم اجتماعي.
ويشير محللون إلى أن مودي سيكسب رصيدا سياسيا في دعمه لكوفيند، السياسي من "باراتيا جاناتا"، ومساعدته على الفوز في المنافسة ضد مرشحة المعارضة ميرا كومار، والتي تنتمي هي الأخرى إلى "داليت".
وأشاد مودي عبر موقع "تويتر" بتجاوز كوفيند "الخلفية المتواضعة" التي ينتمي اليها، وهو ابن مزارع، عمل محاميا في المحكمة العليا ومحافظا سابقا لولاية بهار الشرقية.
أما كومار، وهي ابنة الناشط المناضل لأجل الحرية بابو جاغجيفان رام، فكانت دبلوماسية قبل أن تدخل المعترك السياسي عام 1985 حيث أصبحت أول رئيسة للبرلمان الهندي عام 2009. ولكن الأرقام تشير إلى ابتعاد الهيئات الانتخابية عنها.
ورأى كثيرون أن ترشيحها، الذي تبع ترشيح كوفيند، كان عبارة عن محاولة من المعارضة لمواجهة تحرك مودي وكسب أصوات فئة "داليت".
- تأثير رغم الفقر -
وتمكن مودي من الفوز بأغلبية ساحقة بفضل أصوات "داليت" وقاعدة حزب الشعب الهندي الانتخابية التقليدية من الهندوس، خاصة في الولايات التي تشكل ساحات المعارك الانتخابية وهي اوتار براديش وبهار.
ويؤكد فيمال ثورات، وهو ناشط في "الحملة الوطنية لأجل حقوق الإنسان لـفئة +داليت+" لوكالة فرانس برس أن "كل سياسي (هندي) سيرغب في الحصول على دعم من هذه المجموعة التي تشكل 16 بالمئة من الأصوات في أي انتخابات".
ويعد دعم "داليت" تحديدا غاية بالأهمية بالنسبة لـ"باراتيا جاناتا" الذي ابتعد عنه المسلمون بشكل كبير والذين يشكلون حوالي 14 بالمئة من سكان الهند البالغ تعدادهم 1,3 مليار نسمة.
وبالنسبة للمحرر في القسم السياسي في صحيفة "ذي هيندو"، نيستولا هيبار، ستنجح أصوات فئة "داليت" مصحوبة بدعم أنصار "باراتيا جاناتا" الهندوس اليمينيين القوميين في "هزيمة +الفيتو المسلم+ نهائيا في البلاد".
وقال هيبار لوكالة فرانس برس إن "+داليت+ كمجتمع أو قاعدة منتشرون في كل أنحاء البلاد، وخاصة في الولايات التي تعد مهمة انتخابيا. أصواتهم غاية في الأهمية، خاصة بالنسبة لحزب +بارتيا جاناتا+".
ولكن كثيرا ما تنتشر تقارير بشأن وقوع اشتباكات وحالات تمييز طبقي في أنحاء البلاد.
وكانت السلطات في ولاية أوتار براديش الخاضعة لحكم حزب مودي أرسلت قوات مكافحة شغب إلى منطقة سهارنبور في أيار/مايو اثر وقوع اشتباكات بين أفراد من "داليت" وهندوس من طبقات عليا.
واندلعت تظاهرات عنيفة في ولاية غوجارات التي يتحدر منها مودي اثر انتشار تسجيل مصور يظهر هجوما على أربعة قرويين من طبقة "داليت" يسوقون بقرة ميتة ليتم سلخها.
وتعد الأبقار مقدسة بالنسة للهندوس حيث ازدادت الاعتداءات على تجار الأبقار ومهربيها منذ انتخاب مودي.
وتوكل عادة إلى "داليت" مهمة سلخ الماشية من الأبقار وهو ما تسبب في ارتفاع منسوب التوتر في صفوف القاعدة التقليدية لـ"بارتيا جاناتا" وعرقل محاولتها الوصول إلى الناخبين من الطبقات الاجتماعية السفلى.
واعتبرت افتتاحية نشرت في صحيفة "تايمز اوف انديا" الشهر الماضي أن "تنامي الاحتكاكات بين الطبقات العليا والدنيا في ولايات مثل غوجارات، وماهاراشترا، وأُوتار براديش دفع إلى بروز قيادة شابة معارضة من فئة +داليت+".
وأضافت أن مودي وحلفاءه "سعوا إلى الاستفادة من هذه المعادلة من خلال مرشح رئاسي من +داليت+".
- حزب مودي في "أقوى حالاته" -
وأوضح أشوك ماليك من مؤسسة "أوبزرفر ريسرتشر" لوكالة فرانس برس أن ترشيح كوفيند يعد "خطوة" إلى الأمام بالنسبة لحزب مودي الذي يعد في "أقوى حالاته" حاليا ويتوقع أن ينتخب مرشحه لرئيس البلاد دون الحاجة إلى أي دعم من النواب.
ولكن أبناء "داليت" يتساءلون إن كان انتخاب رئيس من طبقتهم للمرة الثانية على مدى عقدين سيحدث تغييرا حقيقيا.
وأكد ثورات أن "التغيير لن يحدث إلا إذا تم التعاطي مع مشكلات هذه الشريحة الاجتماعية اليومية في إطار دستورنا. عندما يتم تطبيق العدالة وفرض القواعد بشكل عادل وحازم".
ويمتلك رئيس الوزراء الهندي عادة معظم السلطات التنفيذية إلا أنه بإمكان الرئيس طلب إعادة النظر في بعض مشاريع القوانين ولعب دور إرشادي في عملية تشكيل الحكومات.
وأثبت مودي نفسه خلال ثلاثة أعوام في السلطة كسياسي محنك. ويشير الخبراء إلى أن رد المجموعات المهمشة على مناورته السياسية الأخيرة سيلعب دورا رئيسيا في تحديد مستقبله بعد عام 2019.