تظاهر آلاف الفلسطينيين في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة الخميس بمناسبة الذكرى المئة لوعد بلفور. وينظر الفلسطينيون للوعد الذي قدمه وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، على أنه مهد الطريق لوتشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين بإقامة دولة إسرائيل. وطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بريطانيا باستغلال هذه المناسبة لتصحيح "الخطأ التاريخي" الذي ارتكبته بحق الشعب الفلسطيني.

شهدت مدن فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة مظاهرات شارك فيها الآلاف بمناسبة الذكرى المئوية لوعد بلفور البريطاني. وطالب المتظاهرون بريطانيا بتقديم اعتذار عن هذا الوعد الذي مهد الطريق لإقامة دولة إسرائيل.

وفي الوقت نفسه، تستعد رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي لاستقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على حفل عشاء مساء اليوم الخميس في لندن، مؤكدة أن بلادها تشعر "بالفخر" بسبب "الدور الريادي" الذي لعبته في إقامة دولة إسرائيل.

وطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس من جهته بريطانيا بالاعتراف بـ"الخطأ التاريخي" الذي شكله إعلان بلفور تجاه الشعب الفلسطيني، متخوفا من أن يكون حل الدولتين "بات تحقيقه مستحيلا مع مرور الوقت".

في رام الله، رفع المتظاهرون لافتات باللغتين العربية والإنكليزية منها "وعد من لا يملك لمن لا يستحق". وسار المتظاهرون من دوار عرفات في المدينة إلى مقر المجلس الثقافي البريطاني القريب.

هتافات منددة ببريطانيا

وقال أبو هيثم عمرو(70 عاما) الذي شارك في المظاهرة أمام مقر المجلس وهو يحمل علما فلسطينيا، إن وعد بلفور هو سبب كل ما حصل للشعب الفلسطيني، مضيفا "بلفور أعطى وعدا بإنشاء الكيان الإسرائيلي، وهذا القرار كانت نتيجته ما يعانيه الشعب الفلسطيني حتى الآن من تشريد ودمار وألم".

في نابلس في شمال الضفة الغربية، انطلقت تظاهرة من وسط المدينة وتوجهت إلى الدوار الرئيسي فيها حيث اختتمت بمهرجان خطابي.

وهتف المتظاهرون "يا إنكليز، يا استعمار، بدنا منكم اعتذار"، و"يا بلفور وعدك باطل أنت مجرم وأكبر قاتل"، و"الانتداب الانتداب.. أسس دولة للإرهاب". وحمل المتظاهرون أعلاما فلسطينية وأعلاما سوداء.

وطالب المشاركون من بريطانيا الاعتذار من الشعب الفلسطيني والاعتراف بدولة فلسطين وتعويضات.

وقال محافظ نابلس اللواء أكرم الرجوب في كلمة ألقاها أمام المتظاهرين "نقول لبريطانيا إنه آن الأوان كي يصحو ضميرها، ومطلوب من شعبها أن يقف إلى جانب شعبنا ويضغط على حكومته لتقديم الاعتذار، والاعتراف بدولة فلسطين، وتعويضنا عما لحق بنا من أذى وجرائم من قبل احتلال أرضنا".

وقام ملثمون بإحراق مجسمات تمثل بلفور ومجسمات أخرى تمثل تيريزا ماي.

وفي مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، تظاهر العشرات ضد وعد بلفور مطالبين الحكومة البريطانية بالاعتذار عن الوعد.

كما سارت مظاهرات مماثلة في قطاع غزة. وتجمع أكثر من ثلاثة آلاف شخص للتظاهر في ميدان الجندي المجهول في مدينة غزة وساروا نحو مقر الأمم المتحدة.

وفي الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 1917، قال وزير الخارجية البريطاني في حينه آرثر بلفور إن حكومته "تؤيد إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين".

ويختلف الفلسطينيون والإسرائيليون في نظرتهم إلى وعد بلفور البريطاني بعد مرور قرن كامل عليه، إذ تشيد به إسرائيل كأحد العوامل التي ساعدت على قيامها. لكن بالنسبة للفلسطينيين، ساهم هذا الوعد في مأساة سلب أرضهم، ما أدى إلى "النكبة" عام 1948، أي تهجير نحو 760 ألف فلسطيني.

وفي عام 1967، احتلت إسرائيل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة في حرب الأيام الستة، وقامت بعدها بضم القدس الشرقية وما زال احتلال الضفة الغربية مستمرا بعد خمسين عاما.

"خطأ تاريخي"

وكتب الرئيس الفلسطيني من جهته في مقال نشرته صحيفة "الرأي" الحكومية الأردنية "في الذكرى المئوية لوعد بلفور، يتوجب على الحكومة البريطانية أن تغتنم الفرصة وتقوم بتصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبته بحق شعبنا الفلسطيني".

وأكد عباس أنه منذ العام 1917، تاريخ حصول الوعد، قدم الفلسطينيون "تنازلات مؤلمة وكبيرة من أجل السلام، بدءا بقبول قيام دولة فلسطينية على 22% فقط من وطننا التاريخي، والاعتراف بدولة إسرائيل دون الحصول على أي اعتراف مماثل حتى يومنا هذا، وتبنينا حل الدولتين على مدى السنوات الثلاثين الماضية والذي بات تحقيقه مستحيلا مع مرور الوقت".

ولا زال حل الدولتين، أي وجود دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية تتعايشان جنبا إلى جنب بسلام، مرجعا أساسيا للأسرة الدولية لحل الصراع المزمن. إلا أن جهود السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل متوقفة بالكامل منذ فشل مبادرة أمريكية في نيسان/أبريل 2014.

ودعا الرئيس الفلسطيني "إسرائيل وأصدقاءها لأن يدركوا جيدا أن حل الدولتين قد ينتهي تماما، إلا أن الشعب الفلسطيني باق هنا، وسيواصل سعيه من أجل استرداد حريته، سواء كان ذلك من خلال حل الدولتين أو من خلال النضال".

وتابع "وعد بلفور ليس مناسبة للاحتفال، خاصة في وقت لا يزال فيه أحد الطرفين يظلم ويعاني بسبب الوعد، فقد أدى إنشاء وطن لأشخاص آخرين إلى تشريد شعب آخر واستمرار اضطهاده، ولا يمكن المقارنة بين المحتل والشعب القابع تحت الاحتلال".

في لندن، قالت رئيسة الوزراء البريطاني تيريزا ماي "نحن فخورون بالدور الذي لعبناه في إقامة دولة إسرائيل وبالتأكيد سنحتفل بالمئوية بافتخار".

في رام الله، قال محمود العالول، نائب رئيس حركة فتح التي يتزعمها عباس، إن على ماي أن تدرك أن "هذا الوعد أدى إلى تشريد مئات آلاف وأدى إلى دمار مدن وقرى وإلى كم هائل من الألم عاشه الشعب الفلسطيني عبر مئة عام"، مضيفا "هذه مسألة لا يجوز أبدا على الإطلاق الاحتفال بها".