أجزاء بشرية في ثلاجات.. هواتف وأجهزة كمبيوتر.. خرائط عسكرية.. وتقارير مرعبة عن تعذيب وإخفاء قسري وغيرها من الوثائق التي يتجاوز عددها 800 ألف، ترقد في هذا الموقع السري وسط أوروبا، وتمثل الأدلة التي أمكن جمعها وتسريبها من سوريا حتى الآن، لتوثيق الجرائم التي ارتكبها نظام بشار الأسد بحق شعبه.

وفي هذا المكتب الذي يحاط موقعه بالسرية الكاملة تجري العناية بهذه الوثائق وتنظيمها حتى يمكن استخدمها لاحقاً في إدانة نظام الأسد على الجرائم غير المسبوقة التي ارتكبها بحق الشعب السوري، وتقديم رموز هذا النظام برمته للمحكمة الجنائية الدولية، مثلما حدث لقادة يوغوسلافيا سابقاً.

الوثائق التي سربت من سوريا إلى هذا الموقع تحوي كل أنواع الجرائم والتعذيب التي يمكن أن تخطر على عقل بشر. وارتكبت تلك الجرائم في كل بقاع البلاد وسجونها ومراكز تعذيبها.

مركز تخزين وثائق جرائم الحرب في سوريا يبدو مكتظاً بالملفات المنسقة والمحفوظة في صناديق من الورق المقوى. وحسب ما ذكرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، تحيط السرية بموقع هذا المركز في وسط أوروبا، ويخضع لحماية على مستوى عال.

ويقع المركز في دور مرتفع بأحد المباني الذي اختير بعناية لتجنب العيون المتطفلة، وأخرى ترغب في تدمير تلك الوثائق لإنقاذ الأسد ونظامه من أي إدانات دولية في المستقبل. وهو يبدو من الخارج مثل أي منشأة إدارية عادية، ويعمل بداخله عدد من الموظفين، رجالاً ونساءً، لتوثيق وتنظيم الوثائق والمعلومات.

الصناديق تحتوي على أدلة متنوعة، منها أوراق ممزقة بتأثير طلقات نارية، وأجهزة كمبيوتر مكدسة بملفات مهمة، وهواتف عليها مقاطع تعذيب وقتل، فضلاً عن خرائط عسكرية متنوعة توضح مسارات مضيئة بالفلورسنت لتحركات قوات، ومراسلات رسمية عليها خاتم حكومة دمشق، وغيرها.

هذه الغرف الصغيرة المكدسة بآلاف الصناديق يمكن أن تكون عاملاً حاسماً في بدء محاكمة حول جرائم الحرب في سوريا قد تفوق في ضخامتها محاكمات مماثلة حول جرائم الحرب العالمية الثانية.

أهمية تلك الوثائق التي تسجل جانبا من جرائم تفوق في ضخامتها وبشاعتها أي جهد لمحاولة توثيقها، تتزايد في ظل الأحكام التي تواصل المحكمة الجنائية الدولية الحالية في لاهاي إصدارها بشأن جرائم الحرب التي ارتكبت في يوغوسلافيا سابقاً. وشهدت تلك المحاكمات قبل أيام انتحار جنرال كرواتي سابق بتجرع السم أمام هيئة المحكمة عقب إدانته بجرائم حرب.

وهذه الوثائق يمكن أن تستخدم أيضاً لملاحقة قادة تنظيم "داعش" قضائياً. كما تعتمد عليها بعض الحكومات الأوروبية في متابعة بعض مواطنيها ممن فروا وانضموا لداعش وحاربوا في سوريا والعراق.

جمع وثائق الحرب من سوريا عمل محفوف بالمخاطر، حيث استلزم من المحققين المتطوعين التواجد في أماكن خطيرة في توقيتات حاسمة. ولا تزال وثائق كثيرة مخبأة في سوريا في انتظار التوقيت المناسب لإخراجها.

تضحيات ومخاطر كبيرة كانت وراء جهود تسريب هذه الأدلة من الوثائق والهواتف وأجهزة الكمبيوتر من سوريا. ودفع أشخاص حياتهم من أجل تمرير تلك الوثائق إلى الخارج.

ويقود هذا الجهد المنظم المحقق المخضرم في جرائم الحرب، الكندي بيل وايلي. ولديه خبرة سابقة في هذا المجال في رواندا ويوغوسلافيا سابقاً وجمهورية الكونغو الديمقراطية والعراق. وهي المرة الأولى التي تتولى فيها هيئة غير ربحية مهمة من هذا النوع.

وفي البداية تلقى وايلي طلباً للمساعدة في تدريب ناشطين سوريين في مجال حقوق الإنسان، ثم بادر باقتراح تأسيس فريق متخصص لجمع الوثائق عن جرائم الحرب في سوريا، لجنة العدالة والمسائلة الدولية، ودعمته الخارجية البريطانية بـ800 ألف جنيه إسترليني. واجتذبت منظمته دعماً من الاتحاد الأوروبي ومواطنين عاديين من كافة أنحاء العالم.

الحديث الآن عن التسويات السياسية في سوريا لن يكون نهاية المطاف لأن بشار الأسد لا يمكن أن يفر من دماء ضحاياه، حتى لو بسط السلام جناحيه على سوريا النازفة.