في حدود سنة 1849 كان العالم على موعد مع حدث فريد من نوعه، فلأول مرة على مر التاريخ تعرضت إحدى المدن إلى قصف جوي باستخدام أجسام طائرة.
وخلال تلك الفترة لم تتردد إمبراطورية النمسا بالاعتماد على البالونات من أجل تنفيذ عملية قصف على مدينة #البندقية التي فر إليها عدد كبير من الانفصاليين الإيطاليين الذين سعوا إلى توحيد شمال #إيطاليا ضد النفوذ الأجنبي خاصة النمساوي.
ومع بداية سنة 1849، أرسلت إمبراطورية #النمسا المارشال فون راديتسكي على رأس قوة عسكرية بلغ قوامها 50 ألف عسكري نحو البندقية، وحال وصوله تمكن الجيش النمساوي من فرض حصار خانق حول المدينة.
وأدى الحصار النمساوي إلى حدوث المجاعة، وانتشار الكوليرا داخل مدينة البندقية.
وفي غضون ذلك، رفض أهالي هذه المدينة الإيطالية الاستسلام، وفضلوا الموت على العودة مجددا إلى السيادة النمساوية.
وبعد إتمام الحصار، واجه المارشال النمساوي فون راديتسكي مشكلة كبيرة، حيث تعذر عليه استخدام المدفعية بشكل ملائم من أجل قصف مدينة البندقية، ويعود السبب في ذلك إلى التضاريس الجغرافية المحيطة بالمدينة.
وأمام هذا الوضع المحير اقترح الملازم في قوات المدفعية النمساوية فرانز فون أوشاتيوس فكرة مذهلة، حيث عرض الأخير على قائده استخدام بالونات محملة بالمتفجرات لقصف مدينة البندقية.
وبحسب ما نقله مختصون معاصرون، فقد زودت البالونات النمساوية بالفحم والقطن والشحوم سريعة الالتهاب، وذلك كنوع من المحروقات، من أجل ملئها وتحريكها، فضلا عن ذلك حمل كل بالون ما قدره 33 رطلا من المتفجرات، وزودت هذه المتفجرات بفتيل ملتهب معدل للتفجير بعد حوالي 30 دقيقة من تفعيلها.
وخلال شهر يوليو/تموز سنة 1849، أجرت القوات النمساوية أول تجربة لقصف البندقية باستخدام البالونات.
وفي هذه الأثناء، لقيت تلك التجربة الأولى فشلا ذريعا بسبب سوء الأحوال الجوية، حيث تسببت الرياح بتحريك البالونات بشكل خاطئ، وإعادتها فوق رؤوس مرسليها أي القوات النمساوية، فيما اتجه بعضها نحو البحر دون عودة.
ويوم الثاني والعشرين من شهر آب/أغسطس سنة 1849، أعادت القوات النمساوية الكرّة، وخلال العملية الثانية تم إطلاق أكثر من 200 بالون متفجر لم يبلغ سوى عدد قليل منها هدفه.
وخلال عملية القصف الثانية انفجرت البالونات النمساوية فوق سماء البندقية ملقية بمتفجراتها على منازل الأهالي الذين كانوا مذعورين من وقع هذه الحادثة الفريدة من نوعها.
فيما لم تقم النمسا بحسب عدد من المؤرخين باستخدام البالونات المتفجرة مرة ثالثة، حيث أثبتت طريقة البالونات المتفجرة فشلها، خاصة أن العديد منها لم يبلغ هدفه أبدا.
وألحقت أول عملية قصف جوي عرفها التاريخ أضرارا محدودة بمدينة البندقية، حيث لم تتحدث أية مصادر رسمية عن سقوط قتلى.
وبعد مضي حوالي 62 سنة على هذا القصف الجوي الفريد من نوعه شنت #إيطاليا سنة 1911 أول عملية قصف جوي ناجحة باستخدام الطائرة، حيث لم تتردد القوات الإيطالية حينها في استهداف إحدى المدن الليبية بعدد من القنابل التي ألقيت من الطائرات خلال بداية التدخل العسكري الإيطالي بليبيا.