اعتمد الإنسان منذ القدم، على طائر الحمام لنقل الرسائل، حيث برزت تلك الطريقة المبتكرة بشكل مكثف خلال فترات الحرب لتظل قيد الاستخدام إلى حدود الحرب العالمية الثانية .

وفي خضم الحرب الفرنسية البروسية وتحديداً أثناء حصار باريس من قبل القوات البروسية سنة 1870 استخدم الفرنسيون الحمام المدرّب بشكل مكثف لنقل الرسائل إلى خارج العاصمة.

فخلال أربعة أشهر من الحصار قدّر عدد الرسائل التي أرسلت من داخل وخارج باريس عبر الحمام، عشرات الآلاف.

خلال فترة الحرب العالمية الأولى، اتجهت مختلف الأطراف المتحاربة إلى استخدام الحمام المدرب لنقل المعلومات بين جبهات القتال.

كما شهدت تلك الفترة حصول العديد من الحمام على الميداليات والأوسمة لأجل الخدمات التي قدمتها عن طريق نقل الرسائل ولعل أبرز تلك الطيور المكرمة، الحمامة شير آمي (cher ami) التي ضحت بنفسها من أجل إنقاذ فرقة عسكرية أميركية .

وفي التفاصيل، يوم الثالث من شهر أكتوبر سنة 1918 حوصر الكولونيل الأميركي شارل ويتلسي (Charles Whittlesey) برفقة أكثر من 200 جندي من قبل القوات الألمانية في خضم هجوم غابة أرجون (Argonne Forest).

حمامة حققت المستحيل
وبعد بضعة أيام من القتال وجدت الفرقة الأميركية نفسها في وضع لا تحسد عليه، حيث نفدت نسبة هامة من مؤونتها الغذائية وذخيرتها.

ولم تتوقف معاناة فرقة الكولونيل شارل ويتلسي عند هذا الحد، بل تعرضت لوابل من النيران الصديقة أعاق تراجعها، حيث أقدمت المدفعية الأميركية والفرنسية على قصفهم بشكل متواصل ظنا منها أنهم جنود ألمان.

وخلال فترة وجيزة تسببت النيران الصديقة في مصرع عدد هام من الجنود الأميركيين المحاصرين، ما دفع بالكولونيل الأميركي شارل ويتلسي إلى استخدام الحمام المدرب لمراسلة القيادة العسكرية ووقف القصف.

وفي الأثناء باءت محاولات شارل ويتلسي بالفشل، حيث أقدمت القوات الألمانية على استهداف وقتل جميع الحمامات المحملة بالرسائل، قبل أن تتمكن حمامة لقّبت بشير آمي من تحقيق المستحيل.

أصيبت وحلقت ثانية
فقد أقدم الكولونيل شارل ويتلسي على ربط رسالته إلى الساق اليسرى لهذه الحمامة قبل إطلاقها باتجاه مقر القيادة.

وحين لاحظ الألمان مرور الحمامة شير آمي فما كان منهم إلا أن استهدفوها بوابل من الرصاص لتهوى الأخيرة أرضا. لكن بعد مضي فترة وجيزة من إصابتها أقدمت شير آمي على النهوض، وحلقت ثانية لتتمكن في النهاية من إيصال الرسالة الثمينة التي أنقذت حياة الكولونيل شارل ويتلسي رفقة 194 من رجاله والذين نجوا من نيران المدفعية الصديقة.

وعند حلولها بمقر القيادة العسكرية الأميركية القريب من المنطقة، كانت الحمامة شير آمي في حالة يرثى لها.

إذ عانت من إصابة على مستوى الصدر، وكانت فاقدة لإحدى عينيها فضلاً عن ذلك كانت ساقها اليمنى مكسورة بشكل تام.

وفور وصولها، قدم لها الأطباء المساعدة اللازمة، فبتروا ساقها المكسورة لاستحالة علاجها.

بعد تعافيها، صنفت الحمامة شير آمي كبطلة من أبطال الجيش الأميركي، لترافق بناء على ذلك الجنرال الأميركي الشهير بيرشينغ (John J. Pershing) خلال رحلة العودة نحو الولايات المتحدة الأميركية.

وبفضل هذا الإنجاز الرائع والفريد من نوعه حصلت الحمامة شير آمي على العديد من الأوسمة.

لكن مع حلول يوم الثالث عشر من شهر يونيو سنة 1919 فارقت الأخيرة الحياة بسبب تبعات إصابتها، لتحنط جثتها وتعرض على الناس في متحف مؤسسة سميثسونيان (Smithsonian Institution) الأميركية.