طالب رؤساء أحزاب المعارضة الإسرائيلية باستقالة بنيامين نتنياهو من رئاسة الحكومة، إثر التقرير الذي أصدرته الشرطة وبينت فيه أن 12 من قادة الجيش والحكومة متورطون في أكبر وأضخم وأخطر قضية فساد في تاريخ الدولة العبرية، التي كشفت أن شراء الغواصات والسفن الألمانية الحربية تعج بالرشاوى وخيانة الأمانة وبيع الذمم
وقال وزير الأمن الإسرائيلي السابق، موشيه يعالون، الذي أدلى بإفادة لدى الشرطة في إطار هذه القضية كوزير أمن لدى الكشف عنها، إن «هذه أكبر وأخطر قضية فساد في تاريخ إسرائيل، ولا يوجد أي سبب لأن تنتهي من دون توجيه لائحة اتهام للمسؤول الأول عنها، وهو رئيس الحكومة، نتنياهو». وأضاف أن «حقيقة أنه لم يجر التحقيق تحت التحذير مع نتنياهو في هذه القضية، وحقيقة أن إجراءات تحقيق مستوجبة، مثل الامتناع عن تفتيش مكتب محاميه، تثير أسئلة صعبة». وتابع: «أنا أعرف كيف تسير الأمور في مكتب رئيس الحكومة، وأقول بكل مسؤولية إنه لا يمكن أن يكون نتنياهو نظيفاً في هذه القضية».
وكان المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، المعروف بتقربه من نتنياهو، قد وصف هذه القضية، المعروفة باسم «الملف 3000»، بأنها «قضية صعبة وجدية، وينبغي إجراء فحص واتخاذ قرارات بشأنها». ولكنه اعتبر نتنياهو بريئاً منها، بدعوى أنه لم يعرف شيئاً عن المخالفات الجنائية فيها.
المعروف أن هذه القضية خاضعة للتحقيقات في الشرطة منذ سنتين، إذ كشف تفاصيلها الأولية المراسل السياسي في «القناة العاشرة» للتلفزيون الإسرائيلي، رفيف دروكر. واتضح منها أن سلاح البحرية نوى شراء غواصات وسفن حربية ونشر مناقصة بذلك. فتقدمت عدة شركات ألمانية وكورية وفرنسية وألمانية بالعروض، وفجأة تم إلغاء المناقصات. وأبرمت صفقات بذلك مع الشركة الألمانية «تايسنكروب». وحسب الشبهات، فإن هذه الشركة طردت مندوبها السابق في إسرائيل وعينت مندوباً آخر، هو ميكي غنور، أحد المقربين من بيت نتنياهو وكبار موظفيه. وراح هذا يرشي كبار المسؤولين حتى ترسو المناقصة على شركته في مختلف الصفقات، بينها صفقة الغواصات. ودفع لقاء ذلك عشرات الملايين من الدولارات واليوروهات. وقد اتفق غنور هذا مع الشرطة على صفقة، فأصبح «شاهد ملك» وسلمها تسجيلات ووثائق تدين 12 شخصية مركزية، ومقابل ذلك تقرر أن تكتفي الشرطة بطلب سجنه 12 شهراً وتدفيعه غرامة 10 ملايين دولار.
ومن بين أبرز المتورطين، الذين توجد أدلة دامغة بحقهم، ابن خالة نتنياهو، ديفيد شيمرون، الذي يعتبر أقرب المقربين إليه ومحامي عائلته ومندوبه في المفاوضات الحزبية ومبعوثه إلى الخارج، ونائب ورئيس مجلس الأمن القومي بمكتب نتنياهو، أفريئيل بار يوسف، الذي رشحه نتنياهو ليكون رئيساً للمجلس، والقائد الأسبق لسلاح البحرية الإسرائيلي، الجنرال إليعزر ماروم، والوزير الأسبق إليعزر زاندبرغ، رئيس مؤسسة صهيونية كبيرة «كيرن هيسود»، والعميد في جيش الاحتياط، ديفيد شيران، الذي تم تكليفه بمهمة تشويش التحقيق، وديفيد شيران، رئيس طاقم العاملين في مكتب نتنياهو سابقاً، وغيرهم. وقالت الشرطة، في بيانها، إنها لم تعثر على أدلة ضد المحامي يتسحاق مولخو، وهو أيضاً محامي نتنياهو ومبعوثه الخاص السابق وشريك شيمرون في مكتب محاماة كبير.
وتوالت ردود الفعل من جانب السياسيين الإسرائيليين في أعقاب إعلان الشرطة عن توصياتها بتقديم لوائح اتهام ضد المشتبهين. وقال رئيس حزب «ييش عتيد»، يائير لبيد، الذي أدلى بإفادة لدى الشركة كوزير مالية في حكومة نتنياهو السابقة، إن «توصية الشرطة بمحاكمة كبار المسؤولين في مكتب نتنياهو على مخالفة رشوة في قضية الغواصات، لا تسمح لبنيامين نتنياهو بمواصلة تولي منصبه بعد الآن. فحوله أشخاص يثق بهم وهم الأكثر قرباً منه يشتبه بأنهم تاجروا بأمن إسرائيل». وأضاف لبيد أن «نتنياهو مدين للجمهور بتفسير. ماذا لم يعرف أيضاً؟ كيف حدث أن الذين من حوله جنوا أرباحاً بعشرات الملايين ومن تحت الطاولة، وفق الشبهات، في صفقة سلاح حساسة أدارها هو بشكل شخصي؟ كيف يمكن أنه لم يعلم، ولماذا صادق على بيع غواصات متطورة إلى مصر، فيما تم إخفاء الأمر عن وزير الأمن (يعالون) وعن وزارة الأمن والجيش الإسرائيلي؟ هل حدث كل هذا من دون أن يعلم نتنياهو ماذا يحدث في مكتبه. إنه ليس مؤهلاً للاستمرار في منصبه».
وعقب عضو الكنيست من حزب «ييش عتيد»، عوفر شيلح، العضو في لجنة الخارجية والأمن، فقال إن عدداً من الضالعين في قضية الفساد الكبرى هذه مقربون من نتنياهو. وطالب رئيس حزب العمل، آفي غباي، نتنياهو، بالاستقالة، سواء كان يعلم بضلوع مقربيه بالقضية أم لا «لأنه ليس مؤهلاً لإدارة جهازنا الأمني».
وأضاف أن «سرقة أموال من جهاز الأمن هي خيانة للجنود الإسرائيليين. وكان بالإمكان شراء مدرعات جديدة بهذا المال بدل تلك القديمة التي دخل جنودنا بها إلى غزة قبل أربع سنوات».
وأما عوزي أراد، الذي كان مستشاراً لنتنياهو ورئيساً لهيئة الأمن القومي سابقاً، فقد أعرب عن استغرابه لماذا لم يتم التحقيق مع نتنياهو. ورأى أراد أن موافقة نتنياهو على بيع الغواصات الألمانية إلى مصر هي أمر خطير جداً ويستوجب فحصاً، متسائلاً: «لماذا أخفى رئيس الوزراء ذلك عن الدوائر الأمنية». وفي سياق حديث إذاعي بعد ظهر أمس، قال أراد إنه لا يفهم المنطق من وراء قرار المستشار القانوني للحكومة استثناء رئيس الوزراء من التحقيق في بدايته، وعدم فحص ضلوعه في بعض الجزئيات. وأشار إلى وجود أسئلة بقيت مفتوحة منها: من هو الذي أجاز صفقات الرشى، ولماذا تآمر بعض من مقربي رئيس الوزراء على ارتكاب هذه الجريمة، ولماذا يتستر نتنياهو عليهم.
ورد حزب الليكود، الذي يتزعمه نتنياهو، بأن «محاولات اليسار إلصاق قضية الغواصات برئيس الحكومة نتنياهو تحطمت على أرض الواقع. إننا نعزي لبيد وغباي اللذين خاب أملهما هذه المرة أيضاً في تغيير رئيس الحكومة بواسطة اتهامات كاذبة».