كشفت دارة الملك عبدالعزيز عن بعض الملامح السياسية والاقتصادية والصناعية في الدولة السعودية الأولى التي تأسست على يد الإمام محمد بن سعود في إمارة الدرعية عام 1744 ميلادية.

وأوضحت أن الدرعية كانت مستقرة في حكم الإمام محمد بن سعود الذي استمر 20 عاماً وبدأت مؤسسات الدولة في التبلور، فأصبحت العاصمة الدرعية مركزاً للإشعاع الحضاري والإصلاحي يفد إليه الطلاب من كل أنحاء الجزيرة العربية ومن خارجها.

وكان هناك بيت للمال الذي يمثل وزارة المالية، وكانت تؤول إليه مسؤولية صرف الرواتب والإعانات وجباية الزكاة، كما كان في حي طريف مقر مؤسسات الدولة وأبرزها قصر سلوى الذي ضم دواوين ومجالس أئمة الدولة السعودية الأولى ومقار وزرائهم وألحق به مقر لاسطبلات خيولهم.

كما كان هناك بيت الضيافة لاستقبال القادمين للدرعية من الحجاج والمعتمرين وطلاب العلم والتجار والمسافرين عموما، وقد استقبل فيه أئمة الدولة السعودية الأولى وفوداً رسمية من شيوخ القبائل والأعيان وأمراء البلدان بما يمثل ديواناً رسمياً للدولة.

وكانت الدولة في الدرعية حريصة على الأعمال الخيرية، فكان هناك "سبالة موضي" أو سبيل موضي، وهي عبارة عن نزل أو رباط لطلاب العلم وعابري السبيل من الطلاب والحجاج والمسافرين عموما، وجميع خدماته للجميع وبالمجان، وهذه السبالة بنيت وفاءً لزوجة الإمام محمد بن سعود موضي بنت أبي وهطان الكثيرية، أول امرأة سعودية رسمية يفصح التاريخ عن اسمها بفضل دورها التاريخي الفريد.

وفيما يتعلق بالجانب العسكري، فقد كان هناك جيش منظم وعيّن الإمام محمد بن سعود ابنه عبدالعزيز قائداً عاماً للجيش، وبُنى للدرعية في ذلك الوقت سوران متوازيان لصد هجوم عرير بن دجين أمير الإحساء على العاصمة الجديدة عام 1172 للهجرة.

ونجحت الدولة في صد هجومه في حملته الثانية على نجد عام 1178 بفضل هذه التحصينات وبفضل العمل المشترك بين مجتمع الدرعية برغم أن الجيش المهاجم كان يملك مدافع حين ذاك.

وكانت الأحياء الرئيسة في الدرعية محاطة بسور خاص كل على حدة داخل سوريّ الدرعية الذي بلغ طولهما في بعض الروايات التاريخية 7 أكيال والعرض 4 أمتار وتتخللهما أبراج وقلاع لحماية العاصمة.

وازداد عدد السكان بفضل الاستقرار الأمني في الدرعية والازدهار العلمي والاقتصادي وهذا ما زاد في الأعمال وأنعش سوق التجارة فبرزت خلال عهد الدولة السعودية مهن كالزراعة ما حقق اكتفاءً غذائياً ذاتياً بل تم تصدير المنتجات إلى خارجها ما يدل على نظام اقتصادي متكامل إذا ما أضفنا الصناعات اليدوية مثل السيوف والخناجر والأواني المنزلية المطروقة.

وكانت القوافل التجارية تمر بالدرعية محملة ببضائع وسلع أخرى ما جعل منها بلداً مؤهلا ومرغوبا من الكثيرين حيث جاء إليها عمال وتجار من اليمن والشام والعراق فتحولت إلى ساحة لالتقاء ثقافات وعادات مختلفة.