كشف رئيس الاستخبارات العامة الأسبق الأمير بندر بن سلطان، عما دار في أحد لقاءاته بالرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وكيف أن القذافي عرض عليه تجنيد أشخاص لتغيير الحكم في الخليج، كما تطرق الأمير للحديث عن بعض الملابسات حول قضية "لوكربي" الشهيرة.
القذافي يطلب لقاء الأمير بندر
وقال الأمير بندر خلال لقاءٍ مع صحيفة "إندبندنت عربية" إن الملك عبدالله حين كان ولياً للعهد أخبره بعد عقد إحدى القمم العربية في مصر، أن القذافي يريد لقاء أحد المسؤولين السعوديين وبالتحديد سفير المملكة في واشنطن (الأمير بندر).
وأضاف الأمير بندر أنه التقى ولي العهد الأمير عبدالله وأخبره أن هناك حظراً جوياً على ليبيا بسبب حـادثة لوكربي (تفجير طائرة ركاب أمريكية أثناء تحليقها فوق قرية لوكربي في اسكتلندا عام 1988)، وقد اتهمت أمريكا وبريطانيا ليبيا والقذافي بتدبيرها، فرد عليه الأمير عبدالله بأن هناك اتفاقاً بأن تنزل الطائرة في قرية جربة التونسية وهناك ينتقل الأمير بندر بالسيارة عبر الحدود إلى ليبيا.
القذافي: "أنا لست رئيس.. أنا قائد ثورة ولا يوجد لدينا زعيم.. كل الشعب واحد"
وأضاف الأمير بندر أنه انطلق في رحلة بالسيارة استمرت 7 ساعات حتى وصل طرابلس، وبعد وصوله فيلا الضيافة أخبره رئيس المراسم الليبية أن القذافي في سرت (شمالي ليبيا)، وبعدها انتقل بالطائرة إلى سرت، وعند وصوله مقر الضيافة دخل عليه شخص ملثم بلثمة تشبه لثام الطوارق وأخبره أن القائد (القذافي) يريد أن يراه في معسكر الكتيبة.
وتابع الأمير بندر "دخلنا المعسكر، ومن نقطة تفتيش لأخرى، حتى وصلنا، ونزلت أنا ومساعدي رحاب مسعود ومنع المفتشون بقية من معي في الحافلة من النزول، فدخلت الفيلا الرئاسية وبعد قليل دخل القذافي وكان يرتدي بزة مثل حراسه ومعمم بلثام، وبعد أن رحب بنا قلت له مرحباً فخامة الرئيس، فرد علي: أنا ماني رئيس أنا قائد الثورة، ونحن بلد لا يوجد فيه زعيم أو رئيس، كل الشعب واحد".
القذافي يضرب ضابطاً في صدره فيرد الضابط له الضربة
وأضاف الأمير أنه صافح القذافي وتحدثا معاً، حتى قال له القذافي في منتصف الحديث: "أنتم ملكية ولا يوجد عندكم ديمقراطية، لكن حتى الديمقراطية سيئة"، فرد عليه الأمير بندر: "إذا أنتم لديكم ديمقراطية ومساواة، كيف منعتم الوفد المرافق معي من النزول من الحافلة"، فاستغرب القذافي من الإجابة واستدعى ضابطا وقال له هل منعتوهم فعلاً، ثم ضـرب القذافي الضابط على صدره، فقام الضابط برد الضربة للقذافي في صدره، وهو ما أثار استغراب الأمير بندر.
وأشار الأمير بندر "سألني القذافي أين تعلمت، فقلت له في السعودية ثم في بريطانيا وأمريكا، فرد علي قائلاً: أها يعني أنت وليد الاستعمار، فقلت له: الاستعمار متطور ولديه إمكانيات، ثم سألني من الأقرب لقلبك الرئيس جمال عبدالناصر أو الرئيس بوش ثم أماط اللثام وقال بزفرة اييه، اترك موضوع لوكربي جانباً".
القذافي أراد قلب أنظمة الحكم في الخليج عبر تشكيل خلايا سرية مدربة
وتحدث الأمير بندر عن أمر غريب طلبه منه القذافي في لحظة مفاجئة، حيث ينقل عن القذافي قوله: "أنت تعرف ما دام القادة العرب الموجودون الآن (على كراسيهم)، فلن تتحرر فلسطين، والاستعمار سيظل، ولهذا نحتاج لأشخاص مثلك، وأنا مستعد أن أحتضنهم وأدربهم ونعمل خلايا سرية لقلب نظام الحكم وأفضل مكان نبدأ فيه هي دول الخليج. هل تعرف أحداً تثق به في دول الخليج؟ لأن أهم نقطة في الانقلابات هي السرية والثقة، قلت له نعم لدي أصدقاء كثر في الخليج، لكنني لم ألتق بهم منذ زمن، وأعطني مهلة أذهب للخليج وأجس النبض".
القذافي طلب مني دعوة أفراد الخلايا وتهريبهم عبر مصر.. وكنت أرد عليه بسخرية واستغراب
وأضاف الأمير بندر: "كنت أرد مستغرباً وساخراً من كلام القذافي، لكنه كان جاداً بذلك، وطلب مني طريقة لدعوة أفراد الخلايا وتهريبهم عن طريق مصر، وكان يعتريني الذهول، ثم قلت له: في السعودية عندي 5 أشخاص أعتقد أنني أثق فيهم وبهم. قال من هم؟ ثم أخذ القلم وبدأ يكتب: أولاً فهد بن عبدالعزيز، ثانياً عبدالله بن عبدالعزيز، ثالثا سلطان بن عبدالعزيز، رابعاً نايف بن عبدالعزيز، خامساً سلمان بن عبدالعزيز، وكان القذافي يكتب وكأنه في حالة تخدير. ثم انتبه ورفع رأسه وضحك وقال لي خبيث أنت خبيث".
جهود المملكة في فك الحصار عن ليبيا بسبب "حـادثة لوكيربي"
وتابع أن القذافي طلب منه بعد ذلك لقاء توني بلير وبيل كلينتون لمعرفة الطلبات التي يمكن أن تلبيها ليبيا لإنهاء الحصار المفروض عليها بسبب حـادثة لوكيربي، مشيراً إلى أنه التقى توني بلير فأخبره الأخير بأنه مستعد لفعل ما قد ينهي الحصار على ليبيا إذا اعترف بالمسؤولية ودفع التعويضات وحوكم المتهمون".
وأضاف: "بعد مفاوضات شاقة وافق القذافي على مضض، وللأمانة فإني لم آخذ كلامه على محمل الجد، ولا أريد توريط بلدي وفقدان مصداقيتها مع أمريكا وبريطانيا والأمم المتحدة بسبب القذافي، وهذه التساؤلات والاحتمالات جاءت بعد حديثه ومخططاته التي أفصح بها عن رغبته إحداث الانقلاب في دول الخليج".
وأشار الأمير بندر إلى أنه طرأت لديه فكرة إشراك شخصية عالمية مؤثرة في مباحثات فك الحصار عن ليبيا، وقرر اختيار نيسلون مانديلا لمكانته ولوجود صداقة بينهما، مبيناً أنه تحدث إلى مانديلا وشرح له الأمر فوافق بعدما تأكد أن القذافي وافق على تسليم المتهمين للمحاكمة في اسكتلندا وبقية المتطلبات.
القذافي يكيل الشكر لمانديلا ويتجاهل دور المملكة تماماً
وأضاف: "كاد القذافي يجن من الفرح حين علم أن نيلسون مانديلا معي، وخرج إلى المطار لاستقبالنا، وكان يحاول تجاهلي، وحين طلب منه مانديلا إحضار المتهمين لتسليمهم لطائرة الأمم المتحدة، رفض القذافي في البداية لكنه عاد ووافق بعد أن أخبره مانديلا أنه سيخبر العالم بكذبه، ثم طلب القذافي العودة لقصر المؤتمرات لأنه سيلقي كلمة يشكر فيها الرئيس مانديلا، فالتفت له الرئيس مانديلا وقال ينبغي عليك أن تشكر أولاً السعودية والأمير عبدالله والأمير بندر وليس أنا، فقال له القذافي بالتأكيد".
وأضاف أن القذافي اعتلى المنصة وبدأ يوجه كلمات الشكر طوال الوقت لمانديلا وتجاهل دور المملكة تماماً، وبعدها ألقى مانديلا كلمة، ولم يعرض القذافي على الأمير بندر أن يلقي كلمة، وقال القذافي سأوصلكم للمطار، فقال له مانديلا ولكن الأمير بندر لم يلق كلمة، فالتفت القذافي للأمير بندر وقال له: "أنت تعرف تحكي؟"، قال له الأمير بندر "أحياناً"، قام القذافي وقال "الأخ بندر سيلقي كلمة قصيرة".
ويصف الأمير بندر كلمته في هذه المناسبة قائلاً: "قمت وقلت إنني سعيد أن الشعب الليبي تخلص من هذه المأساة وسينتهي موضوع العقوبات وأتمنى الاستقرار والسعادة لكم، وفي منتصف كلمتي، شعرت أن كلامي ليس نابعاً من القلب بسبب معاملة القذافي ونكرانه الجميل، صمت قليلاً ثم قلت: في حدث مثل هذا يعجز الإنسان عن وصف شعوره، وخير الكلام ما قل ودل".
واختتم الأمير كلامه قائلاً: "على كل حال، رحم الله معمر القذافي، وهو في دار حق، وسيلقى الله ويحاسبه على كل أعماله خيرها وشرها".