تستحضر وزارة الثقافة، بدءاً من اليوم وعلى مدى تسعة أيام، سيرة وحياة شاعر وُلد وترعرع في نجد وأصبح أبرز شعراء الجاهلية، مصطحبةً زوار مهرجان "امرؤ القيس شاعر الغزل" في رحلة ثقافية تفاعلية ممتدة تتعمق بين أحوال أيامه وألوان أبياته، وتعيد إحياء قصائده بقالب إبداعي.
ويضم المهرجان، المقام في الدرعية والذي يأتي ضمن مبادرة (عام الشعر العربي 2023)؛ أعمالًا فنية مرتبطة بالمعلقات السبع، وركنًا للتوثيق البصري، مركِّزًا من خلاله على شعراء الجاهلية وأشعارهم والمحيطِ الذي عاشوا فيه، عبر مواد مرئية متميزة، كما يحتوي على سوق للحرف والصناعات اليدوية، وعروض فنية وموسيقية.
ابن ملك وحياة ترف
امرؤ القيس هو جندح بن حجر بن الحارث الكندي، كان أبوه حجر ملكاً على بني أسد وغطفان، وكانت أمه فاطمة بنت ربيعة، وخالاه كليب ملك التغلبيين والشاعر البطل الزير سالم المعروف بالمهلهل.
وُلد امرؤ القيس عام 500م في نجد بقرية مرات عاصمة مملكة أبيه، نشأ وكبر في ظل أبيه وعاش كابن ملك حيث حياة البذخ والترف، وكان يميل إلى اللهو والتشبيب بالنساء وقول شعر الغزل، ولم يلقِ بالاً بأمور الملك والسياسة، ولما وجد منه أبوه ذلك طرده إلى موطن قبيلته في حضرموت اليمنية.
لكنه انصرف إلى أقران له من كلب وبكر وطيء، لاجئين إلى الترحال والتسكع في البلاد وملاطفة النساء وشرب الخمر، وبقي في حياة الملذات حتى الـ25 من عمره، حين بلغه رسول أبيه ينبئه بمقتله، فقال في ذلك: "ضيّعني صغيراً وحمّلني ثأره كبيراً... اليوم خمر وغداً أمر"، لتنقلب حياته رأساً على عقب. وقال في ذلك:
أتاني وأصحابي على رأس صيلع
حديثٌ أطار النوم عني فأفعما
فقلتُ لعجلي بعيد مآبه
ابن لي وبيّن لي الحديث المجمجما.
الملك الضليل
بحسب المصادر التاريخية؛ اندفع امرؤ القيس للثأر لأبيه وجمع حوله فرساناً من كندة وتغلب وبكر ولاحق بني أسد فنال من سيدهم عمرو بن الأشقر، وقال مفتخراً بنصره:
قولا لدودان نجد عبيد العصا
ما غركم بالأسد الباسل
قد قرت العينان من مالك
ومن بني عمرو ومن كاهل
ومن بني غنم بن دودان إذ
نقذف أعلاهم على السافل...
وقرر مواصلة حربه لاستعادة ملك أبيه لكن قومه خذلوه، فاستنصر القبائل فلم تنصره فلُقب بالملك الضليل.
لجأ امرؤ القيس لاحقاً إلى ملك الروم في القسطنطينية لطلب عونه، فاستجاب له قيصر ومدّه بجيش، لكن بني أسد وشوا به عند الملك، فأهداه لباساً مذهباً مسمومًا فلما لبسه امرؤ القيس سرى في جسده السم وسقط جلده فسُمي "أبو القروح"، وذلك بحسب المؤرخ ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ".
وفي طريق عودته مر بمنطقة تابعة لبلاد الروم هي أنقرة، فرأى قبر امرأة من بنات ملوك الروم، وقد دُفنت بجنب عسيب (جبل)، فقال:
أجارتنا إن الخطوب تنوب
وإني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا إنا غريبان هاهنا
وكل غريبٍ للغريب نسيب
ثم احتضر بفعل السم ومات فدفن بجوار المرأة فعلاً. وقِيل إنه تعب وأُنهك بعد رحلاته وحروبه في الجزيرة العربية وبلاد الروم، ومرض مرضاً شديداً ومات جراء ذلك في طريق عودته من القسطنطينية.
شاعر الغزل
وقد اشتهر امرؤ القيس في صباه وشبابه بحياة الترحال واللهو والمجون، وكان يقضي وقته بين الخمر والنساء واللعب؛ لذا كتب وأبدع في لون الغزل حتى لُقب بـ"شاعر الغزل". ووثّق امرؤ القيس حياة اللهو التي عاشها في أشعاره فقال:
ألا رب يوم لك منهن صالح
ولا سيما يوم بدارة جلجل
ويوم عقرت للعذارى مطيتي
فيا عجباً من كورها المتحمل
فظل العذارى يرتمين بلحمها
وشحم كهداب الدمقس المفتل
حتى أنه ذكر أسماء النساء اللاتي كان يرافقهن وأماكن إقامتهن في معلقته:
كدأبك من (أم الحويرث) قبلها
وجارتها (أم الربا)» بمأسلِ
إذا قامتا تضوع المسك منهما
نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل
ويوم دخلت الخدر خدر (عنيزة)
فقالت لك الويلات إنك مرجلي
تقول وقد مال الغبيط بنا معاً
عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزلِ
وأشهر أشعاره هي المعلقة التي كُتبت بماء الذهب مع بقية معلقات الجاهلية وعُلقت على أستار الكعبة، ووصفها النقاد بأنها أجود ما قِيل في الشعر العربي، وقال فيها من ألوان وأصناف الشعر مثل الغزل والوقوف على الأطلال ووصف الفرس والليل وحياة الترحال.
يقول في مطلعها باكياً على الأطلال:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْراةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُها
لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وشَمْألِ
تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ فِي عَرَصَاتِهَـا
وَقِيْعَـانِهَا كَأنَّهُ حَبُّ فُلْفُــلِ
كَأنِّي غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُـوا
وقال يصف الليل:
ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُوْلَــهُ
عَلَيَّ بِأَنْـوَاعِ الهُـمُوْمِ لِيَبْتَلِــي
فَقُلْـتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّـى بِصُلْبِــهِ
وأَرْدَفَ أَعْجَـازاً وَنَاءَ بِكَلْكَــلِ
ألاَ أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيْلُ ألاَ انْجَلِــي
بِصُبْحٍ وَمَا الإصْبَاحُ منِكَ بِأَمْثَــلِ
وقال واصفاً فرسه:
مِكَـرٍّ مِفَـرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِـرٍ مَعــاً
كَجُلْمُوْدِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ
كَمَيْتٍ يَزِلُّ اللَّبْـدُ عَنْ حَالِ مَتْنِـهِ
كَمَا زَلَّـتِ الصَّفْـوَاءُ بِالمُتَنَـزَّلِ
وقال مفتخراً بنفسه بعد أن وصف ناقته:
عليها فتًى لم تحمل الأرض مثله
أبرَّ بميثاق وأوفى وأصبرا
هو المُنزل الآلاف من جو ناعطٍ
بني أسد حزنًا من الأرض أوعرا
ولامرئ القيس أشعار في ألوان الشعر الأخرى كالمدح والهجاء وغيرهما، فقال مادحًاً عوير بن سبخة من بني عوف الطائي، وكان أجاره وأجار أخته هندًا، فوفى لها حتى أتى بها نجران:
إن بني عوف ابتنوا حسبًا
ضيعه الدُّخْلُلُون إذ غدروا
أدَّوا إلى جارهم خفارته
ولم يضع بالمَغيب من نصروا
أول مَن نظم الشعر عند العرب
ونُسب لعلي بن أبي طالب أنه قال: "رأيت امرأ القيس أحسن الشعراء نادرة وأسبقهم بادرة، وأنه لم يقل لرغبة ولا رهبة".
وقال الجاحظ إن امرأ القيس أول مَن نظم الشعر عند العرب.
وقال النقاد القدامى إنه أول مَن وقف واستوقف وبكى واستبكى.