يصادف اليوم الخميس 15 أغسطس الذكرى الـتاسعة لرحيل الشاعر والسفير والوزير الراحل الدكتور غازي القصيبي، الذي توفي عن عمر ناهز السبعين عاماً، كانت مليئة بالإنجازات والتحولات الكبيرة.
ولد القصيبي في مارس عام 1940 بالأحساء التي عاش بها سنواته الأولى، ومنها انتقل إلى البحرين حيث درس بها مراحل الأولية.
تزوج القصيبي من ألمانية مسيحية تعرف عليها في البحرين في أواخر الستينيات من القرن الماضي، وأنجبا 4 أبناء، وعاشا معاً لمدة 40 عاماً حتى وفاته بسبب مرض السرطان.
بعد محطة البحرين، التحق غازي بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، ونال الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا، والدكتوراة من جامعة لندن، ثم عاد إلى المملكة.
تقلد بعد ذلك عدداً من المناصب القانونية والأكاديمية والديبلوماسية والأكاديمية والوزارية، حيث عين وزيراً لعدة وزارات أولها الصناعة والكهرباء، ثم الصحة، والمياه والكهرباء، والعمل، كما عمل سفيراً للمملكة في كل من البحرين، وبريطانيا.
تتنوع إنجازات القصيبي على قطاعات عدة في عمله الحكومي، ولعل من أبرزها إنشاء شركة سابك عملاقة البتروكيماويات في المملكة.
وحفل إنشاء الشركة بصعوبات كثيرة، يجسدها أحد المواقف حينما زار أحد الصحفيين الغربيين سابك في بداياتها في مقرها بمبنى متواضع في أحد الشوارع الخلفية بمدينة الرياض، وخرج بانطباع سلبي عبَّر عنه في مقال مستبعداً نجاح هذا المشروع، غير أنه بعد مضي عدة أعوام فوجئ الصحفي بما شاهده من مصانع البتروكيماويات في الجبيل، ليكتب مرة أخرى مقالاً عن التجربة بإعجاب شديد.
ولعل آخر المناصب الحكومية التي يذكرها السعوديون للقصيبي، هو توليه وزارة العمل، حيث عرف عنه دعمه للشباب أثناء توليه حقيبة الوزارة بالتصدي للعديد من الانتقادات التي وجهها البعض للشباب، وكان من أشهر تصريحاته ضد المنتقدين عبارته الشهيرة: "هل هؤلاء الذين ينتقدون هم من السويد أم النرويج؟"، معددا إنجازات السعوديين الذين بنوا إمبراطوريات من التقشف والفقر.
وبالإضافة لنشاطه الحكومي، يعرف القصيبي شاعرا ومؤلفا وروائيا ذو قيمة على الصعيد المحلي والخليجي، له العديد من الدواوين منها: أشعار من جزائر اللؤلؤ، وقطرات من ظمأ، ومعركة بلا راية، وأبيات غزل، ومن أبرز مؤلفاته كتاب حياة في الإدارة الذي اعتمدته وزارة التعليم العام الماضي ضمن مقرر المهارات الإدارية لطلاب المرحلة الثانوية، وروايات "شقة الحرية" و"العصفورية" وغيرهما.
وكرمت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم " ألكسو " الشاعر القصيبي في أبريل الماضي، حيث أشاد مدير عام المنظمة بالإرث الثقافي الذي تركه القصيبي للأجيال القادمة، مبيناً أن مسيرة القصيبي التي امتدت لأكثر من نصف قرن من الإبداع والمؤانسة تتطلب من النخبة الثقافية تسليط الضوء دائما عليها.
وحفلت حياة القصيبي بعديد من المواقف التي جمعته بملوك ومسؤولين ومواطنين، لعل من أبرزها موقفه مع الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز، وذلك عندما أصدر ديوانه الشعري "معركة بلا راية" عام 1970، إذ طلب بعض منتقدي الديوان من الملك فيصل بمنعه من التداول في المملكة بدعوى احتوائه على مخالفات، وتأديب الشاعر، فأحال الملك فيصل الديوان لمستشاريه، ومن ثم أحاله إلى لجنة أخرى تضم وزير العدل ووزير المعارف ووزير الحج والأوقاف، غير أن الجميع انتهى إلى أنه ديوان شعر عادي وليس فيه ما يمس الدين أو الخلق.
واشتهر القصيبي بزياراته المفاجئة للقطاعات التي تولاها، وكان إبان وزارته للصحة قبل عقود ينفذ زيارات غير معلنة مفاجئا بها المسؤولين والمراجعين في ذلك الوقت، حيث حكى مواطنون أنهم اشتكوا لرجل يسألهم عن احتيجاتهم ليفاجؤوا لاحقا أنه وزير الصحة.
ومن المواقف الطريفة التي تذكر عنه أنه في أحد الأيام إبان وزارته في الكهرباء والصناعة حصل انقطاع للتيار في أحد أحياء الرياض، وكان القصيبي كلما حدث انقطاع يذهب إلى مقر الشركة ويتلقى الشكاوى الهاتفية مع موظفي خدمات المشتركين، وفي ذلك اليوم تلقى اتصالاً من مواطن غاضب قال فيه: "قل لوزيركم الشاعر أنه لو ترك شعره واهتم بعمله لما انقطعت الكهرباء عن الرياض"، فقال القصيبي: "فقلت له ببساطة شكراً.. وصلت الرسالة فقال: ماذا تعني؟ قلت: أنا الوزير قال: أحلف بالله فقلت: والله." وكانت هناك لحظة صمت في الجانب الآخر قبل أن تهوي السماعة.