عُرفت السعودية طوال تاريخها، كصانعة سلام وتنمية في دول القارة السمراء، وظلت الدولة الأبرز التي تتجه إليها الأنظار؛ للدعم والمصالحة والمساندة، وقلما تضاهيها دولة في ما تحظى به مبادراتها من تقدير وثقة؛ فهي التي أثبتت فعلاً لا شعارات، أنها حين تسعى في الصلح، تبذل من أجله وتتحمل كلفته ولا تبحث مثل غيرها عن مصلحة أو موطئ قدم من ورائه، وهي كذلك أيضاً حين تمد يد العون وتهب للمساعدة في الكوارث والأزمات.
ورغم عمق العلاقات السعودية الإفريقية، وامتدادها على مدى تسعة عقود، إلا أن الأعوام التي تلت تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزير دفّة قيادة المملكة، شكّلت علامة فارقة في هذه العلاقات، فشهدت للمرة الأولى تاريخياً تعيين وزير دولة لشؤون الدول الإفريقية، وإنشاء "مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن"، فضلاً عن دعم تنفيذ "الأجندة الإفريقية 2063"في إطار تقاربها مع رؤية السعودية 2030.
وقد شهدت التجارة بين المملكة ودول قارة إفريقيا نموًا ملحوظًا خلال السنوات الخمس الماضية، حيث ارتفعت الصادرات السعودية غير النفطية إلى إفريقيا بمعدل نمو سنوي بلغ 5.96 % بين 2018 و 2022 م، لتبلغ بنهاية العام الماضي 31.94 مليار ريال، بينما بلغت الواردات السعودية من إفريقيا بنهاية العام نفسه 23.79 مليار ريال.
ويتصدر عدد من الأنشطة الصناعية والتعدينية الصادرات السعودية غير النفطية إلى إفريقيا، حيث جاءت على رأس القائمة قطاعات الكيماويات والبوليمرات، ثم التعبئة والتغليف، يليه قطاع مواد البناء، وأخيراً قطاع المنتجات الغذائية، في حين جاءت الواردات السعودية من إفريقيا، في عدد من القطاعات من بينها المنتجات الغذائية، ومواد البناء، والمعادن الثمينة، والمجوهرات.
وتتمتع المملكة وقارة إفريقيا بإمكانات تعدينية كبيرة حيث تسعى المملكة من خلال مؤتمر التعدين الدولي الذي تستضيفه العاصمة الرياض مطلع يناير المقبل، إلى تعظيم الاستفادة من المنطقة التعدينية الممتدة من إفريقيا إلى غرب ووسط آسيا، وجذب الاستثمارات للصناعات المعدنية في هذه المنطقة، والمساهمة في تعزيز النمو الاقتصادي لقطاع التعدين في المنطقة والعالم.
كما تسعى المملكة إلى توسيع نطاق التعاون مع عدد من الدول الإفريقية من خلال التباحث مع 11 دولة إفريقية لتوقيع مذكرة تفاهم في مجال التعدين، شملت كلاً من: زامبيا، والسنغال، وزيمبابوي، والكونغو، وأنغولا، وجنوب إفريقيا، وغينيا، وتشاد، بالإضافة إلى موريتانيا، والمغرب، ومصر.
وتتمثل أبرز المشاريع التعدينية القائمة التي تمتلك فيها المملكة حصصًا نسبية مع الدول الإفريقية في شركة الصناعات الكيميائية للفليور (ICF) في تونس والتي تنتج مادة فلوريد الألمنيوم ويتم تصديرها إلى عدد كبير من مصاهر الألمنيوم في أنحاء العالم، والشركة الوطنية للصناعات والمناجم (سنيــم) إحدى أكبر الشركات الإفريقية في إنتاج الحديد في موريتانيا، إضافة إلى العمل مع الجانب الموريتاني من خلال مشروع (تكامل) بين شركة سابك وشركة سنيم الموريتانية، لاستغلال خام الحديد في منطقة أطوماي في ولاية تيرس زومور.
وفي المجال التنموي، فإن للصندوق السعودي للتنمية، الذي يُعد ذراع المملكة في التنمية الدولية، سجلاً تاريخياً حافلاً بالعطاءات التنموية تجاه الدول الإفريقية منذ نحو 49 عامًا؛ إذ أسهم الصندوق في تعزيز ركائز التنمية المستدامة في نطاقاتها المختلفة وأشكالها المتعددة في قارة إفريقيا، من خلال دعم وتمويل أكثر من 413 مشروعًا وبرنامجًا إنمائيًا بقيمة إجمالية تتجاوز 10.7 مليار دولار في 46 دولة إفريقية.
وشملت تلك المشروعات مختلف القطاعات التنموية؛ منها الصحة والتعليم والنقل والمواصلات والزراعة والبنية التحتية والموانئ والطاقة وغيرها، كما يعمل الصندوق على دعم الدول الإفريقية من خلال تحسين الظروف المعيشية وتوفير فرص وظيفية لملايين البشر، وتمكينها من مواكبة التطور في مجال المعرفة وبناء القدرات.
وأسهم الصندوق، في البرنامج السعودي لحفر الآبار والتنمية الريفية الذي أطلقته المملكة في عام 1982م، حيث وصل البرنامج إلى خمس مراحل في 19 دولة إفريقية؛ للإسهام في الحد من آثار شحّ الماء والغذاء، وتعزيز نمو المحاصيل الزراعية وتوفير المياه النظيفة الصالحة للشرب، من خلال تجهيز 8800 منشأة مائية، يستفيد منها أكثر من 4.5 مليون نسمة، بقيمة 330 مليون دولار.
وحول جهود الصندوق في تقديم الدعم إلى دول القارة الإفريقية، قال الرئيس التنفيذي للصندوق سلطان بن عبدالرحمن المرشد، إن الصندوق السعودي للتنمية من خلال تمويله للمشروعات والبرامج الإنمائية في مختلف الدول النامية الإفريقية، يعمل على الإسهام في تجاوز العقبات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تواجه خطط التنمية في تلك الدول.
وأضاف أن نشاط الصندوق التنموي في قارة إفريقيا وصل إلى نحو 57.06 % من إجمالي دعمه الإنمائي لدول العالم؛ نظرًا إلى انخفاض المستوى الاقتصادي والتنموي، وارتفاع معدلات النمو السكاني والبطالة، إلى جانب انخفاض مستويات الدخل.
يشار إلى أن العاصمة الرياض تستضيف غدًا الخميس، القمة السعودية الإفريقية، لتعزيز الشراكة بين المملكة ودول القارة السمراء، وبحث تنسيق المواقف في المسائل الإقليمية والدولية.
كما تنطلق غداً أعمال المؤتمر الاقتصادي السعودي العربي الإفريقي بمشاركة عدد من القادة وصنّاع القرار ونخبة من المسؤولين في المملكة والدول العربية والإفريقية، وقادة المال والأعمال والاستثمار من القطاعين الحكومي والخاص، والاتحادات التجارية، والمنظمات الدولية، والشخصيات البارزة في الأوساط الأكاديمية ومراكز الفكر.
وسيناقش المؤتمر جملة من الموضوعات، من أبرزها: تعزيز الشراكة الصناعية والتعدينية والتجارية، ودور شراكات الطاقة المستدامة وأهميتها في تيسير الوصول لمصادر الطاقة، وتعزيز أطر التعاون لتحقيق الأمن الغذائي، والاستثمار في تطوير الأعمال والبنى التحتية ورأس المال البشري، وتعزيز التعاون لتحقيق التنمية المستدامة.