تمثل المساحة الجغرافية الهائلة للمملكة عاملا أساسيا في مطالبة الكثير من الخبراء والمختصين لإنشاء شبكة خطوط حديدية تصل كافة المدن والمحافظات ببعضها البعض، وتجعل من وجود خطوط حديدية مطلبا أساسيا واستراتيجيا، خاصة في ظل ما تشهده المملكة من زيادات على كل المستويات، سواء السكانية أو العمرانية أو الاقتصادية، فهي حل اقتصادي شامل يلبي أكثر من احتياج، كما أنها ستحد من الازدحام المروري والتلوث البيئي الذي تسببه عوادم السيارات وتخفف من الضغط على خطوط الطيران، كما أنها ستوفر فرصا وظيفية بالآلاف للشباب، إضافة إلى الإقبال الكبير على السفر عبر القطار.

حيث سجلت الإحصاءات في إجازة منتصف العام الدراسي لعام 1431هـ، وهي لا تتجاوز سبعة أيام، تسجيل 49 ألف راكب سافروا عبر القطار ما بين الدمام والرياض، ويرى الكثير أن إنشاء شبكة عامة للخطوط الحديدية تربط مدن ومناطق المملكة هو بحاجة إلى قرار عاجل.

الدكتور عبدالوهاب القحطاني الأستاذ المشارك في كلية الإدارة والتسويق في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وأحد المهتمين بقطاع المواصلات، يرى بأن الحاجة لإنشاء شبكة خطوط حديدية تربط المدن والمناطق أصبحت ضرورية وملحة، خاصة في مثل هذا الوقت والوقت القادم، مشيرا إلى أن هناك فوائد اجتماعية واقتصادية جمة لهذه الشبكة الحديدية في حال إنشائها، سواء كانت تلك الفوائد ما يتعلق منها بالجانب الاجتماعي من حيث تواصل أبناء المملكة فيما بينهم أو في تقديم خدمات النقل الآمن، حيث يعتبر النقل بالقطار من أكثر وسائل النقل أمانا إضافة إلى أنها سوف تخفف من الضغط والازدحام المروري الذي تشهده الخطوط السريعة بين المدن، وخاصة المدن ذات الكثافة السكانية العالية أو المناطق. وأضاف الدكتور القحطاني بأن المملكة ونظرا لكبر مساحة أراضيها فإنها بحاجة ماسة لهذه الشبكة الحديدية، مؤكدا بأن البعض قد يقول بأن إنشاء مثل هذه الشبكات مكلف جدا، ولكن إذا تم النظر إلى ما تقدمه شبكة الخطوط الحديدية من خدمات عظيمة ولوقت طويل يتأكد بأن كل ما صرف على هذه الشبكة كان في الاتجاه الصحيح، موضحا بأن الخط الحديدي الوحيد الرابط حاليا بين الرياض والدمام لا يخدم إلا المنطقة الوسطى والشرقية فقط، فيما تحتاج مناطق أخرى وبشكل عاجل لمثل هذه الخطوط مثل المنطقة الجنوبية والشمالية، خاصة في ظل وجود أعداد كبيرة من المواطنين في تلك المناطق.

وأكد الدكتور القحطاني بأن إنشاء شبكة خطوط حديدية لا يعني فقط الشبكة بحد ذاتها أو القطارات، بل يتعدى ذلك إلى إنشاء محطات يمكن من خلالها أيضا توظيف العديد من الشباب وإيجاد فرص عمل حرة للكثير منهم، وهذا أمر معروف على مستوى العالم، وبحكم تعدد المناطق والمدن والمسافات الطويلة بينها فمن الضروري أن تكون هناك محطات للتوقف إما للراحة أو لإركاب ركاب آخرين من تلك المحطات.

وتوقع الدكتور القحطاني أن يكون هناك اهتمام كبير بالاستثمار في قطاع الخطوط الحديدية حتى وإن كانت خطط بعض الدول أكثر تطورا، وفي حال إنشاء شبكة خطوط حديدية بين دول الخليج يتوقع أن تكون بداية لمشروع يربط كافة مدن الشرق الأوسط أسوة بالشبكة الأوروبية التي تصل منذ زمن بعيد بين معظم الدول الأوروبية.

إلى ذلك أكد الرئيس العام للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية، المهندس عبدالعزيز الحقيل، أنه تم توقيع عقد قبل فترة بقيمة 5.15 ملايين ريال مع شركات ومؤسسات متخصصة بغرض تقديم خدمات استشارية لتطوير الخطة الاستراتيجية للخطوط الحديدية للفترة من 2010 إلى 2040م.

وأبان الحقيل أن الخطة الاستراتيجية للخطوط الحديدية في المملكة تشمل وضع رؤية مستقبلية واضحة ومتكاملة لما يجب أن تكون عليه شبكة الخطوط الحديدية في الفترة المقبلة، والسبل الكفيلة بتطويرها وتحسين أدائها وتعزيز الدور المناط بها في خدمة الاقتصاد الوطني، إضافة إلى رسم المسارات اللازمة لتطوير الشبكة الحالية، ورفع مستوى كفاءتها وجاهزيتها، وتحديد المحاور المطلوب توسيع الشبكة على أساسها بحسب الأولوية.

مبينا بأن المشاريع الخاصة بالخطوط الحديدية الجديدة في حال اكتمالها سوف تمثل نقلة كبيرة وسوف تقدم خدمات كبيرة على كافة الأصعدة، موضحا بأن الشبكة في حال اكتمالها سترتبط بالجسر البري، الذي يعتبر أحد مكونات برنامج توسعة شبكة الخطوط الحديدية، وهو جسر بري يربط موانئ المملكة بخط حديدي يبدأ من ميناء جدة الإسلامي، مرورا بالميناء الجاف بالرياض وميناء الملك عبدالعزيز بالدمام وميناء الملك فهد الصناعي بالجبيل، وانتهاء بميناء رأس الخير على الخليج العربي لنقل البضائع والمسافرين، مبينا بأن الخطة الاستراتيجية سوف يتم من خلالها معرفة المشاريع التي تحتاج إلى أولوية وأين ستكون. إلى ذلك أكد المواطن خالد العنزي وتركي الفدعاني ومحمد الشمري وصالح محمد أهمية وجود شبكة خطوط حديدية تربط جميع مدن المملكة، مشيرين إلى أن هذا الأمر أصبح مطلبا ضروريا، مؤكدين بأن الإقبال الكبير الذي تجده القطارات حاليا من قبل المواطنين والمقيمين يساعد كثيرا على تنفيذ وإقامة مثل هذه الشبكة، خاصة في ظل وجود مسافات كبيرة بين المدن والمناطق، بعضها يتجاوز أكثر من ألف كم كما أنه سوف يساهم في الحد من قيام الكثيرين بالسفر بسياراتهم الخاصة واستبدالها بالسفر عن طريق القطارات.

وكان التفكير الأول في إنشاء الخطوط الحديدية في المملكة في عهد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، رحمه الله، وذلك لإقامة خط حديدي يربط بين أهم مدينتين في المملكة، هما العاصمة الرياض والدمام، وذلك في خمسينيات القرن العشرين، حيث أنشئ أول خط حديدي بالمملكة بأمر من الملك عبدالعزيز، رحمه الله، وذلك في عام 1947 ليربط ميناء الدمام ومدينة الظهران بالمنطقة الشرقية، وقد تم تنفيذه تحت إشراف شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) آنذاك، لغرض نقل البضائع من ميناء الدمام الذي أنشئ لهذا الغرض، حيث تلا ذلك صدور أمر من جلالة الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، لشركة أرامكو لدراسة إمكانية إيصال هذا الخط الحديدي إلى مدينة الرياض ليؤدي دوره بشكل أكمل، وخصوصا أنه يمر بمدن ومناطق حيوية كثيرة، مثل: بقيق، والأحساء، والخرج. وفي عام 1952 تم الانتهاء من تنفيذ الخط الحديدي بين الدمام والرياض، مرورا بمحطات عديدة في المدن التي أنشئت على امتداد الخط.

وتولت شركة أرامكو إدارة الخط الجديد في البداية حتى أنشئت مصلحة حكومية للسكك الحديدية، وهي المصلحة التي تحولت إلى مؤسسة سكك حديد السعودية في 20 مارس 1966م، وشملت خطة التنمية الثانية من عام 1395 هـ حتى عام 1400 هـ اعتماد مبالغ مالية بلغت لتنفيذ مجموعة من مشروعات السكك الحديدية منها تجديد الخط الحديدي القديم بالكامل. وإنشاء مشروع الميناء الجاف بالرياض. كما ظهرت فكرة إقامة شبكة خطوط حديدية تربط بين دول مجلس التعاون الخليجي قبل أكثر من 11 عاما تقريبا.

ويرى الخبراء أن مثل هذه الشبكة من شأنها زيادة الروابط التجارية بين بلدان المنطقة وتخفيف الازدحام المروري والتلوث الذي تسببه السيارات.