تعكس زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ـ المعروف بتحركاته الخارجية القليلة منذ الحرب الأوكرانية ـ حجم التطور الذي تعيشه العلاقات بين الرياض وموسكو؛ حيث اختار "القيصر" المملكة ضمن جدول زياراته النادرة من أجل البحث في القضايا التي تتعلق بالطاقة والجوانب السياسية والإقليمية.
وأعطت الزيارات المتبادلة دفعة جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين، بعد أن تجدّد عهدها في 17 سبتمبر1990م عبر صدور بيان مشترك أعلن استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما على أسس ومبادئ ثابتة، وكان الاتحاد السوفيتي أول دولة غير عربية أقامت علاقات دبلوماسية مع المملكة عام 1926، وفي نوفمبر من عام 1994 قام رئيس الحكومة الروسية فيكتور تشرنوميردين بزيارة إلى الرياض، جرى خلالها التوقيع على اتفاقية عامة للتعاون بين البلدين في عدد من المجالات.
ويتواصل التفاهم المشترك بين المملكة وروسيا ويتطور إلى مراحل متقدمة دعمتها الشراكة الدولية التي جمعتهما في مجموعة العشرين التي تضم 20 دولة من أقوى اقتصادات العالم؛ إذ حرص البلدان على استثمارها في إجراء المزيد من التشاور نحو الارتقاء بالعلاقات المتبادلة، وتأتي زيارة "بوتين" في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، ومناقشة كذلك الحرب الدائرة في قطاع غزة وشؤون السياسة الدولية.
وشهدت العلاقة بين المملكة وروسيا تعاوناً أكبر منذ تولي الرئيس الحالي فلاديمير بوتين مقاليد الحكم في روسيا، إذ زار المملكة عام 2007ليكون أول زعيم روسي يزور البلاد؛ حيث جرى خلال تلك الزيارة توقيع اتفاقيات ثنائية في مجال الاتصالات الجوية ومجال الثقافة وتبادل المعلومات وعدد من المجالات الأخرى.
وبفضل تلك العلاقة المتجذرة بين البلدين، كان من الطبيعي أن تنعكس إيجابياً على العلاقات التجارية والاقتصادية؛ إذ انطلق مجلس الأعمال الروسي السعودي عام 2002، وازداد حجم التبادل التجاري بين المملكة وروسيا في الفترة ما بين 2003 إلى 2008.
وأقيم منتدى الاستثمار السعودي الروسي الأول خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى روسيا في أكتوبر عام 2017، وخلال زيارة بوتين إلى المملكة في أكتوبر عام 2019 انعقد الاجتماع الأول للجنة الاقتصادية السعودية الروسية، والمنتدى السعودي الروسي للرؤساء التنفيذيين الذي نتج عنه إبرام 17 مذكرة تفاهم و4 تراخيص لشركات روسية.
وفيما يخص مجال الطاقة، تطور التعاون بين البلدين، واستمر تبادل الزيارات على مستوى الوزارات، ووقعت اتفاقية عام 2004 بين الشركة الروسية المساهمة (لوكويل أوفرسيز هولدنغ) وحكومة المملكة العربية السعودية حول مساهمة الشركة الروسية في عمليات التنقيب وبناء مصنع لتسييل الغاز بجانب حقل غوار.
وفي نفس العام افتتح مكتب للشركة الروسية المساهمة (ستروي ترانس غاز) في مدينة الخبر، وطلبت هذه الشركة عام 2005 من غرفة التجارة والصناعة لمدينة الرياض، وضع تصور لإنشاء شبكة وطنية وتوزيع الغاز في المملكة، ووضعت تصميماً لتوزيع الغاز في الرياض.
وامتد التعاون السعودي الروسي إلى مجال الفضاء؛ ففي سبتمبر من عام 2000 حملت الصواريخ الروسية إلى مدارات الفضاء الخارجي 13 قمراً سعودياً يستخدم في مجال الاتصالات، وخلال زيارة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان لروسيا عام 2015، وقعت مذكرة النوايا المشتركة في مجال الفضاء مع وكالة الفضاء الروسية لبحث مشاركة المملكة في الرحلات الفضائية الروسية.
وعلى صعيد التعاون العسكري، وقعت مذكرة تفاهم عام 2017 بين الشركة السعودية للصناعات العسكرية وشركة روزبورن إكسبورت، وهي شركة تصدير الأسلحة والمنتجات العسكرية التابعة لروسيا الاتحادية، وتعنى مذكرة التفاهم بشكل رئيس بتوطين صناعة واستدامة أسلحة نوعية ومتقدمة جداً في المملكة، كما تشكل نقل تقنية صناعة أنظمة (Kornet-EM) وهو نظام صاروخي متطور مضاد للدبابات، إضافة لنقل تقنية صناعة منظومة راجمة الصواريخ (TOS-1A) وراجمة القنابل (AGS-30).
وتواصل التعاون بين البلدين ليشمل كذلك المجالات الثقافية والعلمية، أو ما يخص القروض والمال، وأيضاً الإعلام والرياضة، فيما تستمر جسور التواصل بين البلدين على كل المستويات تأكيداً لأهمية دورهما الاقتصادي والسياسي والمحوري في المنطقة والعالم.
**carousel[341029,341054,341030,341056,341055]**