حض مسؤول أميركي رفيع تركيا على التراجع عن إعلانها بشأن فاروشا مجددا رفض واشنطن لحل الدولتين في قبرص، مشيرا إلى أن الرئيس بايدن ملتزم بإبقاء العقوبات على تركيا.

يأتي ذلك فيما أكد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في بيان، فجر الأربعاء، أن الولايات المتحدة تدين إعلانا صدر يوم الثلاثاء ونص على نقل أجزاء من بلدة مهجورة في قبرص إلى سيطرة القبارصة الأتراك، فيما أعربت فرنسا عن دعمها لقبرص بعد خطوات تركية إزاء المدينة المهجورة، وتتهم الرئيس التركي بـ"الاستفزاز".

ودانت واشنطن إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإعادة فتح فاروشا، مدينة الأشباح الواقعة في شرق قبرص، والتي هجرها سكّانها الأصليون القبارصة اليونانيون منذ قرابة نصف قرن، ويريد القبارصة الأتراك اليوم بدعم من أنقرة إعادة فتحها تحت إدارتهم.

وقال بلينكن في بيانه إنّ "الولايات المتّحدة تعتبر ما يقوم به القبارصة الأتراك في فاروشا بدعم من تركيا استفزازياً وغير مقبول ولا يتّفق مع الالتزامات التي قطعوها في الماضي للمشاركة بطريقة بنّاءة في محادثات سلام".

وأضاف "نحضّ القبارصة الأتراك وتركيا على التراجع عن القرار الذي أعلنوا عنه اليوم وعن جميع الخطوات التي اتّخذت منذ أكتوبر 2020" في المنتجع السياحي المهجور.

ولفت البيان إلى أنّ "الولايات المتحدة تعمل مع شركاء يشاطرونها رأيها لإحالة هذا الوضع المقلق إلى مجلس الأمن الدولي، وسنحثّ على استجابة قوية".

وتابع: "نؤكّد على أهمية تجنّب الأعمال الاستفزازية الأحادية الجانب التي تزيد التوتّرات في الجزيرة وتعيق الجهود المبذولة لاستئناف محادثات تسوية قبرص وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي".

وجدّد الوزير الأميركي التذكير بموقف الولايات المتّحدة "المؤيّد لتسوية شاملة بقيادة القبارصة لإعادة توحيد الجزيرة في إطار اتّحاد ثنائي المنطقة والطائفة لما فيه خير جميع القبارصة والمنطقة".

من جهته، أعرب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان عن دعمه لقبرص، الأربعاء، بعد إعلان سلطات القبارصة الأتراك عن إعادة فتح جزئي للمدينة المهجورة من أجل احتمال إعادة توطينها، الأمر الذي أثار انتقادا شديدا من القبارصة اليونانيين.

وقال لو دريان، إنه بحث الأمر أمس مع نظيره القبرصي، وإنه سيثير المسألة في الأمم المتحدة، متهماً أردوغان بـ"الاستفزاز".

وقال في بيان إن "فرنسا تأسف بشدة لهذه الخطوة الأحادية التي لم يتم التنسيق لها وتمثل استفزازا"، مضيفة "إنها تقوض استعادة الثقة الضرورية للاستئناف العاجل للمفاوضات من أجل حل عادل ودائم للقضية القبرصية".

ومدينة فاروشا القبرصية مهجورة منذ أن أسفرت حرب في عام 1974 عن تقسيم الجزيرة.

هذا وشدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء، على تمسّكه بحلّ يقوم على دولتين في قبرص، في كلمة شديدة اللهجة ألقاها خلال زيارة للشطر الشمالي من قبرص في الذكرى الـ47 للاجتياح التركي الذي أدى إلى تقسيم الجزيرة المتوسطية.

وقال أمام حشد خلال عرض عسكري في الشطر الشمالي من العاصمة: "ليس لدينا 50 عاما لنضيعها" في إشارة إلى عقود من جولات التفاوض برعاية الأمم المتحدة باءت بالفشل في توحيد الشطرين اليوناني والتركي القبرصي من الجزيرة.

وأضاف: "لا يمكن إحراز تقدم في المفاوضات من دون التسليم بوجود شعبين ودولتين".

واعتبر أنه "لا يمكن استئناف عملية تفاوض جديدة إلا بين دولتين"، مضيفاً "من أجل هذا، يجب تأكيد السيادة والمكانة المتساوية للقبارصة الأتراك. وهذا أساس لحل".

ووسط هتافات مؤيدة من الجموع التي كانت تلوح بالأعلام التركية، اتهم أردوغان السلطات القبرصية اليونانية بـ"قطع الطريق على أيّ حلّ" بتبنّيها "نهجاً متطرفاً... منفصلاً عن الواقع".

ورفض تحذيراً هذا الشهر من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين بأن بروكسل "لن تقبل" بحلّ الدولتين في قبرص، العضو في الاتحاد الأوروبي.

لكنّ وزير خارجية الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل أعرب، الثلاثاء، عن "قلقه" لإعلان أردوغان، معتبرا أنه "غير مقبول".

وقال بوريل في بيان: "يشدد الاتحاد الأوروبي مجددا على ضرورة تفادي الخطوات الأحادية المنافية للقانون الدولي، والاستفزازات الجديدة التي يمكن أن تزيد التوترات في الجزيرة وتهدد استئناف المفاوضات بهدف التوصل إلى تسوية شاملة للمسألة القبرصية".

ومساء ردّت الخارجية التركية على بوريل في بيان اعتبرت فيه أن انتقادات الاتحاد الأوروبي لأردوغان "باطلة ولاغية".

وعلى نقيض الاحتفالات في الشطر الشمالي، دوّت صفارات الإنذار في الشطر الجنوبي من نيقوسيا عند الساعة الخامسة والنصف (2,30 يتوقيت غرينتش) تذكيراً ببدء الغزو التركي في 20 تموز/يوليو 1974.

وقبرص مقسّمة منذ غزو الجيش التركي لثلثها الشمالي عام 1974. وانضمّت جمهورية قبرص عام 2004 إلى الاتحاد الأوروبي الذي تنحصر مكتسباته بالشطر الجنوبي من الجزيرة حيث يقطن قبارصة يونانيون وتحكمه سلطة هي الوحيدة المعترف بها في الأمم المتحدة. أمّا في الشمال، فلا تعترف سوى أنقرة بـ"جمهوريّة شمال قبرص التركيّة".

وفاروشا التي كثيرا ما كانت وجهة للسياح الذين كانوا يقصدونها للاستمتاع بمياهها الصافية وأمسياتها الصاخبة، باتت منذ عقود مدينة مقفرة محاصرة بالأسلاك الشائكة، وتستخدم ورقة تفاوض.

وإعادة فتحها خط أحمر بالنسبة للسلطات القبرصية اليونانية. لكن الجيش التركي أعاد فتح أجزاء من شاطئها العام الماضي، قبل أسابيع على انتخاب تتار.

وكان أردوغان قد زار فاروشا في خطوة نددت بها جمهورية قبرص واعتبرتها "استفزازا غير مسبوق".