تمثل بعض الأماكن علامات مضيئة في تاريخ المملكة، كونها شهدت ووثقت أحداثاً عظاماً، وكان لها الأثر الكبير فيما وصلت إليه السعودية، من تطور وتقدم ومكانة كبيرة على المستويين الإقليمي والدولي.

ومن هذه الأماكن حصن المصمك بالرياض، الذي يعود بناؤه إلى عهد الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي آل سعود، والذي شرع في تشييده عام 1282هـ/ 1865م ضمن قصر كبير في الرياض.

نستعرض هنا ملامح من تاريخ هذا الحصن الذي تحول إلى معلم تراثي سياحي.

سبب التسمية

أطلق على الحصن المصمك أو المسمك، وفقا لدارة الملك عبدالعزيز، نظرا لبنائه السميك المرتفع، والذي يتوسط الرياض القديمة منذ 150 عامًا، قريباً من شارعي "السويلم" و"الثميري"، محاطاً بسور طيني ارتفاعه 6 أمتار، وله 5 بوابات هي الثميري والسويلم ودخنه والمذبح والشميسي.

ومثّل الحصن انطلاقة مباركة للسعودية، تم إثرها تأسيس المملكة وتوحيدها تحت راية واحدة، كما كان مسرحاً لملحمة استرداد الرياض البطولية، على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وذلك في 5 شوال 1319هـ.

وشهد الحصن المعركة الشهيرة بين الملك عبدالعزيز ورجاله ووالي ابن رشيد، عجلان، التي انتهت بمقتل عجلان ورجاله، حيث لا يزال أثر المعركة باقيًا إلى اليوم، بجزءٍ من الشلفا "الرمح" مغروس في باب الحصن، والذي رماه الأمير فهد بن جلوي قاصداً قَتل عجلان، فلم يصبه واستقر في الباب، واستُخدم الحصن لاحقاً كمستودع للذخيرة والأسلحة، ثم حُول لمعلم تراثي، وثق تلك المرحلة.

الغموض الممتع

برز شموخ المصمك العريق وبناؤه الطيني القديم وسط المباني الحديثة والطرق المعبّدة المحيطة به، حيث تكتسي جدرانه مساءً بإضاءات ملونة، ما جعل له هيبة حضور، وصفها المعماري البريطاني كريستوفر ألكسندر بأنه "الغموض الممتع" الذي يدفعك للمشاهدة ومحاولة الاكتشاف.

مكوناته

بُني الحصن من الطين اللبن والطين الممزوج بالتبن، وأساسه من الحجارة، وطُليت جدرانه بلياسة الطين، وكُسيت أعمدته ومداخل أبوابه بالجص، وأسقفه من خشب جذوع شجر الأثل، والجريد، وسعف النخل المغطى بطبقة من الطين.

ترميمه

وضعت أمانة منطقة الرياض خطة ترميم شاملة للحصن، القرن الماضي، وأُجريت له إصلاحات داخلية وخارجية، ثم وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حينما كان أميرا للرياض، بتحويله إلى متحف متخصص عن مراحل توحيد وتأسيس المملكة، وافتتحه في المحرم 1416هـ.

المتحف

طورت الهيئة السعودية للسياحة المتحف، وزادت عدد أجنحته وقاعاته، لتحكي تاريخه وقصة اقتحام واسترداد الرياض، وعرضت خرائط وصوراً لطريق قدوم الملك عبدالعزيز ورفاقه من الكويت، والإنجازات والمحاولات السابقة لاسترداد الرياض، والروَّاد، والرياض القديمة، واستخدامات الحصن، وفناء البئر، وقصة توحيد المملكة بالصور والخرائط والمجسمات والأفلام التوضيحية.

تصميمه وبناؤه

يتميز حصن المصمك، ببوابته الخشبية الرئيسة الواقعة بالجهة الغربية للمبنى، بارتفاع 3.6 متر وعرض 65.2 متر، وسُمك 10 سم، وبالبوابة 3 عوارض سمك الواحدة 25 سم، وعند عبور البوابة يرى الزائر إلى يساره "المسجد" ذا الأعمدة الطينية السميكة، وأرفف المصاحف، والمحراب المجصّص وفتحات التهوية.

الديوانية

تقع "الديوانية" في مدخل الحصن الغربي، وبها غرفة مستطيلة يقف في زاويتها "الوجار" مكان إعداد القهوة، وتتوسط فناء الحصن من الشمال الشرقي "البئر" التي تُسحب منها المياه عن طريق المحالة، لتوفر مياه الشرب، كما يوجد به مدفع قديم في مدخل الفناء.

أربعة أبراج

يوجد في حصن المصمك 4 أبراج مخروطية الشكل، ارتفاع الواحد 14 متراً، غير برج "المربعة" بطول 18 متراً، ويوجد بالفناء درج يؤدي للدور الأول من الحصن والسطح، مع 3 وحدات سكنية، الأولى لإقامة الحاكم، والثانية بيت للمال، والثالثة للضيوف.