التاريخ السعودي غرس جذورَه قادةٌ وسياسيون محنّكون، أسهموا بقيادتهم الحكيمة في وضع أسس هذه الدولة العظيمة، وفي ذكرى يوم التأسيس نستذكر مؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود الذي انتشل منطقة الدرعية ونجد وما حولهما من القلاقل والاضطرابات ونقلها إلى النماء والاستقرار، ووضع لَبِنات هذه الدولة، متغلباً على الحروب والصراعات والمؤامرات التي حِيكت ضد نشأة واستقرار هذه الدولة.

اعتبر أستاذ التاريخ الحديث المشارك بجامعة الملك سعود، الدكتور سعود بن سعد القحطاني، في تصريح لـ"أخبار 24"، أن نشأة الإمام محمد بن سعود المولود عام 1679م، وترعرعه في بيت عزّ وإمارة بالدرعية وتعلُّمه طرق السياسة؛ جعله يجيد التعامل مع الظروف المحيطة ويتغلب على التحديات الأمنية والسياسية التي واجهته في تأسيس الدولة السعودية الأولى.

ويوضح الأستاذ المساعد بشعبة التاريخ جامعة حائل، الدكتور خاتم بن فضي الشمري، أن عهد الإمام محمد بن سعود الذي تولى الحكم وعمره 40 عامًا، شهد عدة إنجازات، من أبرزها توحيد شطرَي الدرعية، لتصبح هنالك في منطقة نجد دولة واحدة مستقلة.

ورأى الباحث في التاريخ السعودي، الدكتور راشد بن محمد بن عساكر، في حديثه لـ"أخبار 24"، أن "كاريزما" الإمام محمد بن سعود لعبت دوراً بارزاً في إسقاط هذه العملية التوحيدية لتلك المنطقة، حيث تمكن "المؤسس الأول" من جمع شطرَي الدرعية تحت حكومة مركزية واحدة وذلك في عام 1139هـ الموافق 1727م.

واعتبر عميد كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود، الدكتور عبدالله بن محمد المنيف، أن الصفات القيادية والإنسانية للإمام محمد بن سعود أسهمت في صنع عاصمة موحدة ودولة مترامية الأطراف وجيش قوي، الأمر الذي شجع الكثير من أطراف الجزيرة العربية للانضواء تحت لواء الدولة السعودية، وهذا لم يكن بالحرب وإنما بالسلم.

ويضيف أن الدولة السعودية الأولى اتسعت إلى ما يناهز 3 ملايين متر مربع، وهذه المساحة الشاسعة لا بد أن قد صاحبها حالة من الاستقرار السياسي حتى خارج الجزيرة العربية. 

وفي هذا السياق؛ يشير الدكتور خاتم بن فضي الشمري، إلى أن الإمام محمد بن سعود اهتم خلال عهده بتثبيت أوضاع إمارة الدرعية الأمنية والسياسية، بينما يؤكد الدكتور سعود بن سعد القحطاني، أن عهد الإمام محمد بن سعود تميز بالاستقرار السياسي للدرعية، إذ لم تكن الدولة الناشئة هنالك تابعة لأي قوة إقليمية أو دولية، مضيفاً أن الإمام المؤسس عمل على تمتين الجانب الاقتصادي، الأمر الذي عزّز قوة الدولة السعودية.

وهذا ما تؤكده البندري بنت حاكم الفغم، وهي طالبة دكتوراه في التاريخ الحديث، التي تفيد أن الدولة السعودية استطاعت مدّ نفوذها شمالاً من جنوب حوران إلى شمال الحديدة جنوباً، ومن الخليج العربي إلى البحر الأحمر. تضيف البندري، خلال حديثها لـ"أخبار 24"، أنه بعد استتباب الأمن بالدرعية، شهدت المدينة تطورات حضارية نوعية، لا سيما من النواحي الاقتصادية والعسكرية إضافةً إلى المعمار والعلوم.

صان الإمام محمد بن سعود دولته الواعدة في الدرعية بالغالي والنفيس، إذ يشير الدكتور راشد بن محمد بن عساكر، إلى وفاة أبناء الإمام المؤسس في سبيل حماية والذود عن هذه الدولة الناشئة، في حين يوضح الدكتور خاتم بن فضي الشمري، خلال حديثه لـ"أخبار 24"، أن أبناء الإمام تُوفّوا في المعارك التي جرت بين الإمام محمد بن سعود وتهام بن دوّاس أمير الرياض حينذاك.

وبينما يتفق الدكتور راشد بن عساكر، أن العام 1727 كان بالفعل اللُّحْمة الأولى التي وضعها الإمام محمد بن سعود للدولة السعودية في هذه المنطقة من الجزيرة العربية، إلا أنه أكد ضرورة الإشارة إلى أن هذه الدولة كانت لها جذور تسبق ذلك التاريخ بـ300 عام، حيث كان مانع المريدي الجد الأعلى للإمام محمد بن سعود حاكماً للدرعية، بما يعني أن الحقبة الأساسية للدولة السعودية تمتد إلى 600 عام، وهي حقبة ضخمة لم يصلنا عنها عبر المصادر التاريخية إلا بعض الإشارات العامة.