الزمان سنة 1938، والمكان مدينة تقع على ضفاف الخليج العربي، اعتاد أهلها على تجارة اللؤلؤ وصيد الأسماك؛ جاء البشير بخبر غيّر موازين القوى، وكان من "بشارات الخير" التي جاءت في أعقاب قيام هذه الدولة على صهوة جواد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.. نعم؛ إنه خبر اكتشاف أول بئر للبترول في مدينة الدمام.

اكتشف هذه البئر عاملان في شركة "سوكال" الأمريكية، التي جاءت للتنقيب عن "الذهب الأسود"، بعد ما تم اكتشاف كميات منه في دولة البحرين، والتي لا تبتعد عن كثيرا عن الدمام والمنطقة الشرقية.

كان لبعد النظر الذي يتمتع به الملك المؤسس دور كبير في تشجيع أعمال الشركة، فبعد توقيعها لاتفاقيات مع الحكومة السعودية؛ بدأ التنقيب بمساعدة أبناء هذه البلاد الذين بلغ عددهم حسبما جاء في تقرير لصحيفة مال "1076 سعودياً".

استمرت أعمال الحفر والتنقيب قرابة الخمسة أعوام، مرّت خلالها الرحلة البحثية بمستويات صعود وهبوط، حيث انتقلت من إخفاق وفشل إلى نجاح وترقب، ولكن شيئا ما كان يدفع قادة هذه البلاد وأبناءها لمواصلة العمل.

وبعد استمرار هذه الرحلة التي شهدت التنقيب في أكثر من موقع، بُشّرت الجزيرة العربية بمولود "الخير" في الثالث من مارس عام 1938، حيث أنتجت بئر الدمام رقم (7) 1585 برميلا في ذلك اليوم، واستمرت تلك البئر في التدفق وكأنها سحابة تهاطل ماؤها، حيث إن إنتاجها بلغ ما يقارب18000 برميل يوميا، قبل أن تُستبعد من قوائم الآبار المنتجة عام 1982 لأسباب تشغيلية، بعدما أنتجت ما يقارب 32 مليون برميل من النفط.

كانت "نافورة الخير" أول استثمار للمملكة في النفط، الذي لعب دوراً كبيراً في تدعيم ريادة المملكة في العالم، حيث أُنشئت بعد ذلك شركة أرامكو، الشركة السعودية المتخصصة في مجالات النفط والغاز والبتروكيمياويات، والتي أصبحت في عهدنا الحاضر إحدى أكبر الشركات في العالم من حيث القيمة السوقية، إذ تُقدر قيمتها السوقية بـ7.64 تريليون ريال، ما يعادل أكثر من تريليوني دولار.

إن" مولود الخير" ظل لسنوات ولا يزال مهيمنا على الساحة الدولية فارضا سطوته عليها، ولكن السعوديين دخلوا إلى حياة الناس وأثروا فيها من خلال هذا المولود.

والحكومات ومنظماتها من مطارات ومستشفيات وجامعات بحاجة إلى هذا المولود، فلا يمكن لطالب أو أستاذ جامعي في الولايات المتحدة أو في بريطانيا والصين أن يستقل سيارته ذهابا لجامعته دون أن يتوقف لملء خزان سيارته بالوقود "مولود الجزيرة" وابنها البار، الذي حقق للمملكة عوامل الرخاء والاستقرار، لتصبح بين مصاف الدول الريادية والقيادية بالعالم.