شهدت العلاقات بين السعودية وتايلاند أزمات دبلوماسية بسبب سرقة عامل تايلاندي في المملكة مجوهرات نادرة، بلغ وزنها ما يقرب من 90 كيلوغراما، بقيمة وصلت في وقتها 20 مليون دولار.
وكانت جميع المجوهرات المسروقة من أحد القصور في العاصمة الرياض، وتم تهريبها إلى تايلاند في جـريمة تسببت في مقـتل 18 شخصا بينهم 4 دبلوماسيين سعوديين، وقطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وتايلاند لأكثر من 30 عاماً.
بداية الأزمة "الماسة الزرقاء"
تعود بداية الأزمة في العلاقات بين البلدين إلى عام 1989، عندما قام عامل تايلاندي يدعى "كرنكراي" بسرقة كمية كبيرة من المجوهرات على دفعات من أحد القصور في الرياض وتهريبها إلى تايلاند مستغلًا وجود أصحاب القصر خارج الرياض.
وبعد عودة أصحاب القصر من إجازتهم اكتشفوا اختفاء المجوهرات والأموال التي كانت في الخزينة، فأبلغوا الجهات المعنية التي بادرت بعدما حامت الشكوك حول الخادم إلى الاتصال بالحكومة التايلاندية التي أقدمت في العاشر من يناير 1990م على اعتقال العامل الذي اعترف باقترافه السرقة وسلّم كل ما بقي لديه من مجوهرات ونقود، وكشف أسماء الأشخاص الذين اشتروا بعض المجوهرات.
وتم الإفراج عن السارق بعد قضاء حوالي 3 سنوات في السجن من أصل 5 عقب صدور عفو عنه لحسن سلوكه، وبعد إطلاق سراحه، بات يحمل اسماً جديداً معناه "صاحب العلم بالماس".
مجوهرات زائفة
جرى استعادة المجوهرات التي كان العامل التايلاندي محتفظا ببعضها وتلك التي باعها، ولكن خلال الفترة الواقعة ما بين استعادة المجوهرات وإرسالها للرياض، تبين بعد ذلك أن معظم المجوهرات التي تمت إعادتها كانت زائفة، وبعضها مفقود مثل الماسة الزرقاء التي تعد من بين الأندر في العالم، وسط تقارير استخباراتية تؤكد تورط قادة الشرطة في سرقة المجوهرات بعد استعادتها.
اغتـيال الدبلوماسيين
بعد حـادثة سرقة المجوهرات، تم تكليف العناصر الأمنية في سفارة المملكة في بانكوك، بمتابعة المعلومات المتعلقة بأسماء العناصر المتورطة في هذه القضية، وجاء التكليف بتوسيع عملية المتابعة الأمنية، وتولى إدارة هذه العملية 4 دبلوماسيين هم عبد الله البصري، وعبد الله المالكي، وفهد الباهلي، وأحمد السيف.
اصطدمت هذه العملية بكثير من المعوقات بسبب تورط بعض عناصر الشرطة التايلاندية في القضية، وإعطاء معلومات مغلوطة، بالإضافة إلى تصفية بعض العناصر المتعاونة مع فريق التحقيق، ليصل الأمر إلى اغتـيال الدبلوماسي السعودي عبدالله المالكي، الذي قـتل إثر إطلاق الـنار عليه خلال عودته إلى منزله سيراً على الأقدام، كما تم اغـتيال باقي أفراد الفريق السعودي في وقت لاحق.
اغتِـيال رجل الأعمال
قٌتِـل رجل الأعمال السعودي "محمد بن غانم اللميعي الرويلي" الذي سافر إلى بانكوك للتحقيق في القضية بعد اختطافه لدى وصوله إلى بانكوك للتحقيق في القضية، وتشير التقارير إلى أن "الرويلي" كان يملك معلومات مهمة جدا، وأنه سيُدلي بها حين يصل إلى المملكة، إلا أن هاتفه كان يخضع لرقابة بعض من كبار ضباط الشرطة المتورطين.
قرارات رسمية
بعد سلسلة الجـرائم والاغتـيالات، توقفت المملكة عن إصدار تأشيرات العمل للتايلانديين، كما منعت مواطنيها من الذهاب إلى تايلاند لينخفض عدد التايلانديين العاملين في المملكة من نحو 200 ألف في عام 1989 إلى 10 آلاف فقط عام 2008.
أزمة ترقية سومكيد
توترت العلاقات السعودية التايلاندية بشكل كبير بعد أن احتجت السفارة السعودية في بانكوك على قرار السلطات التايلاندية بترقية الضابط "سومكيد" المتهم بالضلوع في جـريمة قتـل الدبلوماسيين السعوديين، وخطف "الرويلي".
وأكدت حينها أن الترقية تخالف النظام المعمول به في تايلاند، معتبرة هذه الخطوة تهديداً خطيراً للجهود الرامية إلى استعادة العلاقات الطبيعية بين الرياض وبانكوك، وأمام الضغوط التي قامت بها المملكة تراجعت بانكوك عن ترقية المسؤول المتهم.
النزاع القانوني
في مارس 2014، أصدرت محكمة الجنايات التايلاندية الحكم في قضية اختطاف وقتـل المواطن محمد الرويلي، حيث قضت بحفظ القضية لعدم كفاية الأدلة على المتهمين، وأصدرت الخارجية السعودية بيانا رسميا آنذاك أعربت فيه عن استيائها، مؤكدة أهمية أن تقوم السلطات التايلاندية بواجبها تجاه تلك القضايا وبعيداً عن أي تأثيرات سياسية.
وفي عام 2015، وجهت المملكة اتهامات لـ 5 من كبار الضباط التايلانديين بالتورط في عملية السرقة، ولكن لم تتم إدانتهم بسبب عدم كفاية الأدلة، وأدرج اسم رئيس الشرطة التايلاندية، في قائمة المتهمين، وأشارت التقارير إلى أنه غيّر مجرى التحقيق وعرقله من خلال الضغط على تاجر مجوهرات اعترف في وقت سابق بأن "الكثير من ضباط الشرطة الذين يرتدون الزي الرسمي هم في الواقع لصوص".
تايلاند تعرب عن أسفها عن الحـوادث بعد 30 عاما
أعربت الحكومة التايلاندية عن أسفها إزاء الحـوادث المأساوية التي وقعت لمواطنين سعوديين في تايلاند بين عامي 1989 و1990، مؤكدة حرصها على بذل الجهود لحل القضايا المتعلقة بتلك الحـوادث، ورفعها إلى الجهات المختصة في حال ظهور أدلة جديدة وجيهة ذات صلة بها.
زيارة رئيس وزراء تايلاند
أعلنت وزارة الخارجية، أمس (الأحد)، أن رئيس الوزراء وزير الدفاع بمملكة تايلاند الجنرال برايوت تشان أوتشا، سيقوم بزيارة رسمية إلى المملكة يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلَين، تلبيةً لدعوة كريمة من ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان.
وأكدت أن الزيارة تأتي بعد مشاورات نتج عنها تقريب وجهات النظر في العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وحرصاً على استمرار التشاور والتنسيق وتبادل وجهات النظر حيال تلك القضايا.