تشكلت شخصية الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى في مجتمع مدينة الدرعيَّة التي وُلد فيها سنة 1090هـ/1679م، وكانت له تجارب في خوض غمار المسؤولية منذ سنٍ مُبكرة رحمه الله، إذ عمد والده الأمير سعود بن محمد بن مقرن إلى تكليفه ببعض المهام لترتيب أوضاع الإمارة، وهذا ما جعله يتهيأ للمهام الجِسام.
لم يتردد والده في إشراكه للدفاع عن الدرعيَّة حين تعرضت لحملة عسكرية بقيادة زعيم بني خالد في الأحساء، سعدون بن عريعر، وهي الحملة التي تصدت لها الإمارة بكل قوَّة، واستطاعت رد العدوان وحماية الدرعيَّة سنة 1133هـ/1721م.
وحول صفات الإمام محمد بن سعود قال المؤرخ في التاريخ الحديث والمعاصر طلال الطريفي لـ"أخبار24"؛ إن الإمام عُرف قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى بالتدين ومحبته للخلوة والعبادة والتأمل، ولأعمال الخير، إضافةً إلى شجاعته وبسالته وقوة رأيه ورجاحة عقله، وسخائه وكرمه، فمما يروى عنه رحمه الله انه اعتاد قضاء الدين عن المحتاجين، حتى لمن يأتيه من البلدان المحيطة بالدرعية، كما يساهم في تجهيز كل من رغب الزواج ممن هم غير مقتدرين.
الدرعية قبل تولى الإمام .. ضعف وانقسام داخلي وظروف صعبة
قال المؤرخ طلال الطريفي إن الدرعية تعرضت قبل تولي الإمام محمد بن سعود إلى ضعفٍ وانقسامٍ داخلي، وظروف سياسية صعبة، نظرًا لدخول الإمارة في صراعٍ مع إحدى البلدات القريبة، وانتشر الطاعون في أنحاء الجزيرة العربية.
وحين تولى الإمام محمد مقاليد الحكم؛ لم تكن الأمور تسير بشكلٍ طبيعي سنة 1139هـ/1727م، حيث كانت التحديات تحيط به من كل جانب، ونتيجة للأحداث التي صقلت الإمام محمد استطاع بحكمته وسياسته وحنكته أن يتخطى جميع التحديات، وينهي المشكلات القائمة فيها، ويقود إمارته والبلدات المحيطة به إلى فرض حالة أمنية عالية.
ونتيجةً لاتساع رؤية الإمام محمد بن سعود؛ وإتقانه فنون السياسة، حيث كان حكيمًا في علاقاته بالإمارات والقبائل وزعاماتها من حوله، أسس الإمام الدولة السعودية الأولى منذ توليه إمارة الدرعية بتوسيع أفق سياسته.
كيف تأسست الدولة السعودية الأولى
وأضاف الطريفي أن الإمام محمد بن سعود أسس الدولة السعودية الأولى بالعمل على بنائها بالمقومات الرئيسة لقيام الدول، من خلال توحيد القوى الداخلية، والحرص على نماء مجتمع الدرعيَّة وقوته وتوحيد أفراده، وفي الوقت نفسه سعى إلى إنعاش الحياة الاقتصادية بفرض حالة أمنية عالية تأمن فيها حركة قوافل التجارة والحجاج، وبالتالي تنعكس على الحركة التجارية بين البلدات وعلى الأسواق التي شهدت حراكًا كبيرًا في الدرعيَّة امتدَّ للبلدان المجاورة.
ونتيجةً للاستقرار الذي أحدثه الإمام محمد نمت مناحي الحياة المختلفة، حيث اهتم بكثيرٍ من الجوانب الحضارية والعمرانية، والتي كان منها بناء حي الطرفيَّة في سمحان ليكون مقرًا لحكمه، وبناء أسوار الدرعيَّة لحمايتها من الهجمات الخارجية، التي كانت تهدد الدرعيَّة من شرق الجزيرة العربية.
كيف برز الجانب السياسي في عهد الإمام محمد بن سعود رحمه الله
وأشار الطريفي إلى أن الجانب السياسي للدولة بدأ يبرز بشكلٍ أكبر، حين أظهر الإمام محمد استقلال إمارته عن سطوة وسلطة أي قوى خارجية كما حدث مع بعض البلدات القريبة منه، كما أنه سعى إلى الإسهام في فرض الحالة الأمنية سياسيًا، يترجم ذلك موقفه مما حدث لدهام بن دواس أمير الرياض من تمرد، حيث ساعده الإمام محمد بقوةٍ أعادته للإمارة بقيادة الأمير مشاري بن سعود سنة 1155هـ/1742م.
المرحلة الأولى من التأسيس وانضمام الدولة السعودية الأولى
وحول هذا الجانب نوه الطريفي إلى أن الدولة السعودية الأولى في المرحلة الأولى وصلت من فترة الإمام محمد بن سعود خلال الفترة من 1139-1159هـ/1727-1746م؛ إلى ما وصلت إليه من أثرٍ وتأثير حيث كان يتواصل مع البلدات المحيطة به للانضمام إليه، لا سيما أن الإمام محمد كان ذا قدرة عالية في احتواء الزعامات المختلفة، معلنين حينها انضمامهم للدولة السعودية الأولى.
من أبرز ما حدث في تلك المرحلة أن الإمام محمد بن سعود ناصر الدعوة الإصلاحية التي نادى بها الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الذي احتوته الدرعيَّة بعد أن قَدِم إليها بناء على دعوة من الإمام محمد بن سعود لقوتها واستقلالها عن القوى الخارجية، وقوة إمامها الإمام محمد بن سعود الذي كان الأقدر على نصرة الدعوة وحمايتها.
المرحلة الثانية من التأسيس
خلال فترة الإمام محمد بن سعود في عام 1159-1179هـ/1746-1765م؛ قامت الدولة بتوحيد المناطق المحيطة بها، حيث وحّد معظم إقليم نجد، وبدأت الدولة السعودية تفرض وجودها كقوة حقيقية في الجزيرة العربية تتمدد وتدافع عن نفسها من أي اعتداء.
وقد برز الأمن على مستوى الدولة السعودية الأولى التي توسعت رقعتها في عهد الإمام محمد بن سعود وابنه الإمام عبدالعزيز بن محمد، حيث كانت الحالة الأمنية محفزًا للتسابق في الانضمام في الوحدة السعودية، إضافةً إلى أن صدَّ الإمام محمد للاعتداءات الخارجية والداخلية كان مطمئنًا للناس بوجود دولة قوية قادرة على حماية حدودها من القوى المجاورة التي تتربص بها، وهذا ما جعل الدولة تتنامى وتزداد قوةً عما كانت عليه من قبل.
الدولة السعودية الأولى ومواجهة التحديات واجتماع الناس عليها
قال المؤرخ طلال الطريفي إن الدولة السعودية الأولى منذ تأسيسها بدأت قويةً، لكونها واجهت التحديات منذ تولي الإمام محمد بن سعود سنة 1139هـ/1727م، حيث قاد الإمام الدولة بكل اتزانٍ وتوازن، وواجه التحديات بكل اقتدار متغلبًا عليها، ابتداءً من الضعف والانقسام الداخلي إلى صد العدوان الخارجي، ومواجهة وباء الطاعون، والعمل على فرض احترام الناس للجانب الأمني المتعلق بحياة الناس بشكلٍ دقيق ومباشر.
كما نجح الإمام محمد بن سعود رحمه الله بكل اقتدار منذ اللحظة الأولى من توليه الدرعيَّة، في جمع كلمة الناس مع الدولة ودخلوا في طاعتها؛ لكونهم لمسوا أثرها وحرصها على إحداث التغيير من حال الفوضى إلى قيام الدولة.