تسعى محافظة العلا الغنية بتراث يمتد لأكثر من 200 ألف عام إلى ترسيخ مكانتها كأكبر متحف حيّ في العالم، وذلك عبر مخطط "رحلة عبر الزمن" الذي أعلنه ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان.
وقال الدكتور عبدالرحمن السحيباني المدير التنفيذي لقسم الآثار والحفظ والمقتنيات في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، لطالما تمحورت وظيفة المتاحف حول الحفاظ على الهوية الثقافية من خلال تسليط الضوء على التاريخ ونشر المعرفة وتقديم التجارب الممتعة، إلا أن المتاحف لم تعد بالضرورة داخل المباني التي اعتدنا زيارتها.
ويقدّم مخطط "رحلة عبر الزمن" خارطة طريق طموحة لتطوير العلا على مختلف الأصعدة دون المساس بمعالمها التاريخية، انطلاقاً من مكانتها كأكبر وأقدم البيئات الطبيعية الثقافية في العالم، والتي تشكلت من تفاعل الإنسان مع الطبيعة على مدى آلاف السنين. ويستمر تنفيذ مخطط "رحلة عبر الزمن" على ثلاث مراحل تنتهي في عام 2035، ويتضمن مشروعين رئيسيين، هما "إحياء وتأهيل واحة العلا الثقافية" الذي يعدّ أحد أكبر مشاريع تجديد البيئة الطبيعية الثقافية في العالم، و"معهد الممالك"، المقرر أن يكون مركزاً بحثياً عالمياً للحضارات التي سكنت شمال غرب الجزيرة العربية منذ عصور ما قبل التاريخ. وسيتم إنشاء خمس محطات في إطار مخطط "رحلة عبر الزمن" تمتد على طول 20 كيلومتراً وتمثل خمسة مواقع أثرية.
ستكون المحطة الأولى في البلدة القديمة المميزة بشكلها الهندسي الفريد على شكل شوارع متداخلة مكتظة بالمنازل والمتاجر والتي ستتحول إلى متحف للفن المعاصر، في حين ستشكل واحة دادان المحطة الثانية، نظراً لتاريخها كعاصمة لمملكتي دادان ولحيان خلال فترات زمنية مختلفة، والتي اكتسبت أهميتها من موقعها الاستراتيجي على الطريق التجاري البري القديم. المحطة الثالثة هي واحة جبل عكمة، المكتبة المفتوحة في الهواء الطلق التي توثّق أكثر من 500 نص تعود إلى الفترتين الدادانية واللحيانية. والمحطة الرابعة هي الواحة النبطية التي استقر فيها الأنباط في القرن الثاني قبل الميلاد، في حينتشكل مدينة الحِجر الأثرية المحطة الخامسة وهي أول موقع في المملكة يُدرج على لائحة التراث العالمي لدى اليونسكو.
ويعدّ كل من هذه المراكز أو المحطات معلماً ثقافياً يعكس الطبيعة الفريدة للعلا، التي تتجاوز مساحتها 29 ألف كيلومتر مربع، ما يضمن تقديم تجربة فريدة للزوّار والسياح تتيح لهم استكشاف تاريخ المنطقة العريق. وسيتم إنشاء 15 مرفقاً ثقافياً جديداً ضمن هذه المراكز، بما في ذلك المتاحف والمعارض ومعالم الجذب السياحي.
وكانت العلا قد شهدت، منذ إطلاق الهيئة الملكية لمحافظة العلا في عام 2017، نقلة نوعية سلّطت الضوء على ما تزخر به من تاريخ وإرث عريق، حيث تلتزم الهيئة بالتنمية المستدامة للعلا بالتنسيق والتعاون مع الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص المعنية، وذلك بهدف الحفاظ على تاريخ العلا العريق وتراثها الأصيل وبيئتها الطبيعية الثقافية. وتحرص الهيئة الملكية لمحافظة العلا على تشجيع سكّان وأهالي العلا على المشاركة في مشاريعها، باعتبارهم أحد الركائز الأساسية للتنمية، وذلك من خلال تطوير تشريعات وأدلة إرشادية تعزز الاهتمام بتحقيق التعايش بين الطبيعة بكافة عناصرها والإنسان، وتحفّز البناء الموائم للبيئة.
وفي إطار البرنامج الشامل لإعادة إحياء العلا وتحويلها إلى أكبر متحف حيّ في العالم، اتخذت الهيئة الملكية لمحافظة العلا العديد من الخطوات، بما في ذلك تنظيم الدورة الأولى من "قمة العلا العالمية للآثار" بهدف توفير مساحة للتعاون ومنصة عالمية للنقاش العلمي والتعاون والابتكار للتوصل إلى رؤى مشتركة وحلولٍ للحفاظ على التراث، إلى جانب توقيع اتفاقية طويلة الأمد مع اليونسكو لحفظ التراث والثقافة في المنطقة، وإعلان خطة إقامة محمية شرعان الطبيعية، التي تهدف إلى إعادة تأهيل البيئة لتضم الأنواع الأصيلة وتطوير الغطاء النباتي للمنطقة، والتي تشمل إنشاء صندوق النمر العربي الهادف إلى حماية النمر العربي من الانقراض وإعادته إلى موئله الطبيعي في العلا. كما قامت الهيئة مؤخراً بإطلاق حملة "إرثنا مسؤوليتنا" الهادفة إلى تعزيز الوعي بأهمية حماية التراث الثقافي المادي وغير المادي بالشراكة مع أفراد المجتمع، بما يسهم في جعل العلا وجهة عالمية للثقافة والتراث الطبيعي والسياحة البيئية.
كما تحرص الهيئة على تنفيذ برامج وحملات تعليمية لتعزيز مشاعر الفخر والمسؤولية لدى سكان العلا تجاه تراثهم الثقافي، حيث يؤدي السكان دوراً كبيراً في جهود تطويرها وحماية تراثها وتسليط الضوء عليه. وقد عملت الهيئة على رفع الوعي وتثقيف المجتمعات المحلية لكي يكون لها دور فاعل في النشاطات المختلفة. بدأ ذلك بتنظيم دورات تدريبية للشباب في مختلف المجالات التي تسهم في الحفاظ على التراث.
ووفرت الهيئة الملكية لمحافظة العلا البرامج التدريبية عالمية المستوى في مجالات السياحة والضيافة، حيث شكلت فرقاً من رواة العلا "المرشدين السياحيين"، وجوالي محمية شرعان الطبيعية وحماية "حماة التراث". كما تلقى مئات الخريجين من طلاب وطالبات العلا منحاً دراسية للحصول على تعليم عالمي المستوى في الجامعات الدولية، بهدف صقل مهاراتهم في إطار تنفيذ رؤية العلا.
ويعدّ مخطط "رحلة عبر الزمن" جزءاً من برنامج تطويري شامل للعلا تشرف عليه الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وتهدف استراتيجية التطوير عند اكتمالها في عام 2035 إلى توفير 38 ألف فرصة عمل جديدة، إضافة إلى المساهمة بمبلغ 120 مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.
**carousel[8185875,8185873]**