أكد المغرب واسبانيا إرادتهما فتح مرحلة جديدة من الشراكة بعد أزمة دبلوماسية استمرت نحو عام، بحسب ما أفاد بيان للديوان الملكي المغربي أعقب محادثات بين الملك محمد السادس ورئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز.
ويزور الاخير الرباط الخميس لتأكيد المصالحة بين البلدين. وهي الخطوة التي باتت ممكنة بعد تغيير مدريد موقفها إزاء نزاع الصحراء الغربية، لصالح الرباط.
وقال بيان للديوان الملكي "جدد جلالة الملك ورئيس الحكومة الاسبانية تأكيد الإرادة في فتح مرحلة جديدة (...) قائمة على الاحترام المتبادل، والثقة المتبادلة، والتشاور الدائم والتعاون الصريح".
وأضاف البيان أن سانشيز "حرص على تجديد التأكيد على موقف اسبانيا بخصوص ملف الصحراء، معتبرا المبادرة المغربية للحكم الذاتي بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف".
يلبي سانشيز دعوة من الملك محمد السادس الذي استضافه حول مائدة إفطار أقيمت "على شرف ضيف جلالته الكريم"، في مؤشر الى أهمية الزيارة بالنسبة للمغرب.
لكن الموقف الاسباني المؤيد للرباط لا يحظى بالإجماع في مدريد، حيث تبنى مجلس النواب الخميس قرارا يدين التخلي عن الحياد "التاريخي" لاسبانيا إزاء النزاع في الصحراء الغربيةّ، لصالح المغرب.
في المقابل لقي هذا الموقف ترحيبا واسعا في المملكة واعتبر انتصارا دبلوماسيا تاريخيا. وقالت وكالة الأنباء المغربية الخميس إنه تعبير عن "جرأة رجال الدولة"، و"تحد حقيقي للطبقة السياسية الاسبانية".
يسعى البلدان بعد طي صفحة الأزمة إلى "تفعيل أنشطة ملموسة في إطار خارطة طريق تغطي جميع قطاعات الشراكة"، وفق بيان الديوان الملكي المغربي، مشيرا إلى القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية.
كما تطرق قائدا البلدين إلى القضايا الإقليمية والدولية، بحضور وزيري الخارجية المغربي ناصر بوريطة والاسباني خوسيه مانويل الباريس.
يرتبط المغرب وإسبانيا بعلاقات تجارية قوية، فهي الشريك التجاري الأول للمملكة. ويرى الباحث المتخصص في العلاقات المغربية الاسبانية نبيل دريوش أن "الملف الاقتصادي سيكون القاطرة التي تجر علاقات البلدين في هذه المرحلة الجديدة، التي تبدو جد واعدة".
كما يرتبطان بملف محاربة الهجرة غير النظامية إذ تريد مدريد أن تضمن "تعاون" الرباط في صد المهاجرين غير القانونين، الذين ينطلق معظمهم من المغرب، بينما يتهم عدة مراقبين المملكة باستعمال هذا الملف كورقة ضغط.
يرتقب أيضا أن تسرع عودة المياه إلى مجاريها بين البلدين فتح حدودهما لاستئناف نقل المسافرين، خصوصا في فترة العطلة الصيفية التي تشهد عبورا مكثفا للمهاجرين المغاربة المقيمين بأوروبا، وهي عملية استثنى منها المغرب الموانئ الاسبانية الصيف الماضي.
من القضايا المشتركة أيضا موضوع حركة تهريب البضائع من جيبي سبتة ومليلية، التي أوقفها المغرب في 2019. وكذا ترسيم الحدود البحرية.
مؤخرا أُضيف التعاون في مجال الطاقة إلى الملفات المشتركة بين البلدين، بعدما بات المغرب يعول على استيراد الغاز الطبيعي المسال عبر اسبانيا، إذ سمحت مدريد له باستيراد الغاز عبر خط الانابيب المغربي الأوروبي "جي إم إي" الذي كانت الجزائر تستخدمه لتصدير الغاز إلى أوروبا قبل أن تتوقف عن استخدامه في نهاية تشرين الأول/أكتوبر.
باتت المصالحة ممكنة بين الرباط ومدريد بعدما أعلنت الأخيرة تأييد خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لحل النزاع حول الصحراء الغربية، متخلية بذلك عن حيادها التقليدي إزاء هذا النزاع.
يقترح المغرب منح المنطقة الصحراوية الشاسعة التي يسيطر على نحو 80 بالمئة من مساحتها، حكما ذاتيا تحت سيادته كحل وحيد النزاع. بينما تطالب جبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر المجاورة بإجراء استفتاء لتقرير المصير تحت إشراف الأمم المتحدة.
رغم أن سانشيز نفى حدوث أي "انقلاب" في موقف بلاده إزاء هذا الملف، إلا أنه أثار غضب حلفائه اليساريين في الإئتلاف الحكومي والمعارضة اليمينية، فضلا عن جبهة بوليساريو والجزائر.
وأنهى هذا التحول أزمة دبلوماسية حادة منذ عام بين الرباط ومدريد، اندلعت بسبب استضافة اسبانيا زعيم جبهة بوليساريو الغربية إبراهيم غالي لتلقي العلاج "لأسباب إنسانية".
وأثار ذلك سخط الرباط، التي أكدت أنه دخل إسبانيا آتيا من الجزائر "بوثائق مزورة وهوية منتحلة"، وطالبت "بتحقيق شفاف".
تفاقمت الأزمة حينها مع تدفق نحو 10 آلاف مهاجر معظمهم مغاربة، وبينهم الكثير من القاصرين، على جيب سبتة الاسباني شمال المغرب، مستغلين تراخيا في مراقبة الحدود من الجانب المغربي.
ودانت مدريد حينئذ "ابتزازا" و"اعتداء" من طرف الرباط، التي استدعت من جهتها سفيرتها في مدريد قبل أن تعود في 20 آذار/مارس.
تأمل مدريد أيضا أن يؤدي موقفها الجديد حول الصحراء الغربية إلى تخلي الرباط عن مطالبها باسترجاع جيبي سبتة ومليلية الاسبانيين شمال المملكة، اللتين يعتبرهما المغاربة مدينتين محتلتين.
غير أن عددا من المحللين يحذرون بأن مدريد لم تحصل على ضمانات حقيقية من جانب الرباط.
وإذ يرى سفير اسبانيا في المغرب بين 1997 و2001 ومدير المخابرات بين 2002 و2004 خورخي ديسكالار أن المصالحة بين البلدين "يفترض" أن تمكن من إقامة علاقات جيدة بينهما، يضيف "لست واثقا تماما" مشيرا إلى أن "ذلك يظل مرتبطا باعتبارات السياسة الداخلية للمغرب (...) التي تظل خارج السيطرة".