في الوقت الذي تتسارع فيه خطى المملكة العربية السعودية نحو تحقيق رؤية مستقبلية مزدهرة، تبرز ضرورة النظر بعين الاعتبار إلى القضايا الاجتماعية التي قد تعيق هذا التقدم، ومن بينها ظاهرة التسول، والتي يتطلب التغلب عليها تعاونًا وثيقًا ودعمًا مجتمعيًا للمبادرات الحكومية والتي تعد أحدثها حملة مكافحة التسول التي تسعى إلى رفع الوعي المجتمعي بأهمية توجيه التبرعات إلى العائلات والفئات التي تستحقها.
وتكمن أهمية معالجة هذه القضية ليس فقط في الحد من انتشار التسول، ولكن أيضًا في الحفاظ على كرامة الإنسان وتوفير البدائل الكريمة للعيش؛ فالتسول ليس مجرد مظهر اجتماعي يُعالج بالحلول السطحية، بل يجب النظر إليه كجزء من مشكلة أكبر تتطلب مساهمة المجتمع لدعم الجهود الحكومية.
وتصل الآثار السلبية لظاهرة التسول إلى النسيج الاجتماعي ولجهود التنمية المستدامة، حيث تُضعف التماسك الاجتماعي وتعكس صورة مغايرة عن الواقع المعيشي، مما يُثقل كاهل الأنظمة الاجتماعية والخدمية بأعباء إضافية، كما يمكن أن تؤدي إلى استنزاف الموارد وتشجيع الاعتمادية بدلاً من تحفيز الإنتاجية والابتكار، مما يُعيق النمو الاقتصادي ويقوّض الجهود المبذولة للارتقاء بمستويات المعيشة وتوفير الفرص للجميع.
وتأتي المساهمة في رفع الوعي بمخاطر ظاهرة التسول والتشجيع على المساهمة في مكافحتها كأولى الجهود المجتمعية الضرورية في مكافحة التسول، ثم يأتي بعدها دور المجتمع في تبني نهج التبرع الذكي وتوجيه التبرعات إلى المؤسسات الموثوقة والجمعيات الخيرية المعتمدة، وتقديم الإحسان عبر الوسائل الرسمية مثل منصة "تبرع" التي تقدم الرعاية والمساعدة والدعم لآلاف الأشخاص من الفئات الأكثر احتياجًا واستحقاقًا.
ويتضمن الدور المجتمعي أيضًا الإبلاغ عن أية حالات استغلال للأطفال أو ظروف تسول مشبوهة للسلطات المختصة، حيث خصصت وزارة الداخلية أرقاماً خاصة للإبلاغ عن حالات التسول المشبوهة، ويمكن الاتصال على رقم 911 في الرياض ومكة المكرمة والمنطقة الشرقية، ورقم 999 في باقي مناطق المملكة، مع التأكد أن المتسولين الذين يتم القبض عليهم يتم التعامل معهم وفقًا لبرنامج يكرم الإنسان ويقدم كافة سبل الرعاية لكل شخص حسب حاجته.
باتخاذ هذه الخطوات، لن يتم فقط مكافحة التسول، بل تعزيز البنية الأساسية لمجتمع أكثر اكتفاءً وأقل اعتماداً على الأساليب البسيطة للحصول على الدعم، فالاتحاد كمجتمع هو الركيزة الرئيسة في المسيرة نحو مستقبل مستدام للمملكة، مستقبل يكون فيه التسول ذكرى بعيدة وليس واقعاً نعيشه.