تمر اليوم (الإثنين) الذكرى الـ12 لوفاة الكاتب والأديب والسفير والوزير، غازي القصيبي، الذي رحل عن عالمنا في 15 أغسطس من عام 2010، عن عمر يناهز الـ 70 عامًا، وقد وصفه الديوان الملكي آنذاك في بيان النعي بأنه أحد رجالات الدولة الذين خدموا دينهم ومليكهم وبلادهم بكل تفانٍ وإخلاص.

مولده

وُلد القصيبي في الثاني من مارس عام 1940، في الأحساء، ولم يتمتع بحنان الأم التي غادرت الحياة مبكرًا، لتتولى جدته تربيته، لذلك وصف السنوات الأولى من عمره بـ"الكئيبة"، بعدها انتقل إلى المنامة بالبحرين حتى أنهى مرحلة التعليم ما قبل الجامعي.



تعليمه

التحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة حتى حصل على درجة الليسانس، ثم حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا، ثم حصل بعدها على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة لندن البريطانية.

مناصبه الحكومية ومواقف لا تُنسى

في عام 1965 وعقب تخرجه من جامعة القاهرة شغل منصب أستاذ مساعد في كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود في الرياض، إضافة إلى عمله كمستشار قانوني في مكاتب استشارية في وزارة الدفاع والطيران، وزارة المالية، ومعهد الإدارة العامة.

ويحكى عن هذا الفترة من خلال كتابه " حياة في الإدارة"، أن عمله في الاستشارات القانونية علمه شيئًا غريبًا عن الطبيعة البشرية، وهي أن الناس لا يقيمون من يقدم لهم خدمة بلا مقابل أو بسعر رخيص واستشهد بقصة حدثت معه شخصيًا، إذ كانت مكاتب الاستشارات القانونية في الرياض تتقاضى 15 ألف ريال مقابل إعداد عقود الشركات.

ورأى أن المجهود المبذول لا يتطلب دفع كل هذه الأموال فقرر ألا يتقاضى سوى 5 الاف عن كل عقد ونصحه صديق يعمل في نفس المجال بالعدول عن القرار معتبرًا أن القرار لن يضر أحدًا غيره، لكن القصيبي لم يصدقه، حتى صدقت توقعات صاحبه، إذ انصرفت الناس عنه لأنه يقدم العقود الرخيصة وأصروا على التعامل مع المكاتب الفاخرة التي تقدم العقود الغالية.

دعوة الكرسي لتناول الغذاء

وفي عام 1971، تم تعيينه في منصب عميد كلية التجارة في جامعة الملك سعود، ثم عُين مديرًا لـلمؤسسة العامة للسكك الحديدية في 1973م، وهو المنصب الذي مهد لدخوله مجلس الوزراء عام 1976، كوزير للصناعة والكهرباء، ثم وزيراً للصحة في 1982.

ويروي أنه أثناء عمله في السكة الحديد دعاه أحد رجال الأعمال البارزين في المنطقة الشرقية لتناول وجبة الغذاء أو العشاء ، وكان لا يحب المجاملات، فقال للرجل: أنت تعرفني منذ فترة، لكن لم تدعني إلًا الآن، فرد عليه الرجل: هذه الدعوة ليست لك وإنما لهذا الكرسي ، فقال له تقديرًا لصراحتك يسرني أن أقبل الدعوة ، فقال الرجل : ومتى الموعد ؟ فقام من على الكرسي ، وقال للرجل " هيا خذ ضيف الشرف معك وأطعمه ما شئت "

وفي عام 1992، تم تعيينه للمملكة لدى بريطانيا عام 1992، ثم عاد وزيرًا للمياه والكهرباء عام 2003، ثم وزيرًا للعمل عام 2005.

واعتاد القصيبي أثناء توليه وزارة الكهرباء أنه كان حينما تحدث انقطاعات الكهرباء في الرياض يذهب بنفسه ليرافق فرق الصيانة كل شهر مرة لرفع الروح المعنوية للعاملين في فرق الصيانة ، وكان أثناء الانقطاعات الكبيرة في الرياض يتوجه إلى مقر الشركة ويشارك موظفي السنترال في تلقي الشكاوى الهاتفية.

وذات ليلة اتصل مواطن غاضب وقال وهو يصرخ " قل لوزيركم الشاعر أنه لو ترك شعره وأهتم بعمله لما انطفأت الرياض كلها ، فقال القصيبي شكرًا لقد وصلت الرسالة ، فقال المواطن : ماذا تقصد ؟ ، فقال القصيبي : أنا الوزير ، فقال المواطن : احلف بالله ، فقال القصبيي : والله ! ، فما كان من المواطن إلا البقاء في حالة صمت ووجوم ربما لأنه مصدق أو غير مصدق قبل أن يهوي بالسماعة .

 

غازي الأديب والكاتب

ورغم مشاغله الكثيرة بين العمل الجامعي والدبلوماسي والوزاري، برز القصيبي، كأحد أهم الأدباء في الشعر والرواية والقصة إضافة لمؤلفات علمية واجتماعية، فتجاوز إسهامه في الشعر والرواية 60 مؤلفًا.

ويرى معاصروه أنه يتساوى مع الأديب المصري الراحل الدكتور طه حسين، في المكانة الأدبية والفكرية، إذ أسهم في التحوّل من عالم التقليد والرؤية السحرية إلى العالم الحديث والفكر الحديث، فيما يرى بعضهم أنه من الممكن أن ينال لقب كبير المثقفين العرب عن جدارة واستحقاق.

وفاته

قضى القصيبي أيامه الأخيرة في مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض، حتى وافته المنية في 15 أغسطس 2010، إثر أزمة صحية عانى منها طويلًا، وتم دفن جثمانه في مقبرة العود بالرياض.



الوصية

ترك القصيبي وصية لمن بعده قال فيها: " يجب أن يكون هناك أمل في الله سبحانه وتعالى وإيمان وثقة بالوطن وشبابه، مع عدم نسيان أن هذا الوطن هو منطقة البيت الحرام ومكة المكرمة".

وأضاف، تلك المنطقة انطلق منها الآلاف ونشروا الحضارة في ثلاثة أرباع العالم، لذا لا يجب أن ينسى أبناؤهم وأحفادهم هذا الإرث التاريخي.

وتابع: "لسنا حضارة هامشية ولا حضارة فرعية ولا حضارة في غابات الأمازون، لكن أمة ظلت لمدة أكثر من 800 سنة تقود العالم في كل شيء بما فيها الفكر والعلم والتقنية".

واختتم "الدنيا هبوط وصعود، ولكن يمتلك هذا الوطن القدرة والأمل"، واستشهد بمقولة الأمير خالد الفيصل: "مكاننا الطبيعي في الصف الأول من العالم الأول".