حتى وإن بدا الأمر ملفتاً بعض الشيء لخصوصية الحدث الذي يهتم بشتى ضروب المعرفة، إلا أنه لم يغب عن أذهان مسيّري معرض الرياض الدولي للكتاب في نسخته الحديثة، ضمن برنامجهم الثقافي، توفير فضاء سياسي يقترح الحلول، ويقدم الرؤى، تجاه أمن واستقرار منطقة الخليج.

فعلى غير العادة، ومن منطلق الثقافة، نالت السياسة واختبار صلابة مواقفها في خضم الصراعات حيزاً ضمن جدول أعمال الحدث الثقافي الأبرز في الرياض.

وبناء على ذاكرة هذا المكان الذي شهد تاريخه سجالات واسعة إلا أنه يكاد يندر حضور فلك السياسة وندواتها في فضائه الرحب.

غير أن متتبع صفحات التاريخ، ومتفحص شؤونه لا يجد غرابة في أن معظم الأفكار السياسية ما هي إلا نتيجة عملية لأفكار ثقافية، إذ تؤدي الأخيرة دورها في حقول الساسة.

وإيماناً بهذا الدور، نظم المعرض ندوة حوارية بعنوان "تحديات أمن الخليج بين الواقع والمستقبل". ضمت أسماء تتمتع بتجربة إعلامية – سياسية غزيرة.

استعادت الندوة صور تأسيس مجلس التعاون، وأبرزت ركام الفرص لهذه المنطقة الاستراتيجية، علاوة على المخاطر المحدقة بها.

السمة الرئيسية لهذه الندوة التي عُقدت في مسرح قرطاج أنها ارتدت غلافاً كثيفاً من الأسئلة، أثار الضيوف مقاربات لافتة، فيما استحوذت أنشطة إيران في المنطقة، وارتداداتها على النصيب الأكبر من حيز النقاش، حتى على صعيد تساؤلات الحضور.

في مستهل الندوة

قال الصحافي السعودي المهتم بشؤون السياسة، جاسر الجاسر، إن دول مجلس التعاون الخليجي أمام تحد خطير، ويجب تأكيد قدرتها على البقاء والصمود وتجاوز الأزمات ومعالجتها.

وشدد الجاسر على ضرورة التعاضد الخليجي، مبيناً أنه إذا لم تتلاحم هذه الدول فيما بينها فإن أي تهديد يطال واحدة منها، فإن شقيقاتها لسن بمنأى عن هذا الخطر، وهذه الرؤية التي طرحها الجاسر تعود نظراً إلى التركيبة الخليجية.

الرؤى التنموية.. تنافس خليجي

لفت الجاسر إلى أن رؤية المملكة 2030 أسهمت بشكل كبير في تغيير الذهنية الخليجية وهو ما تعيشه دول المجلس في عملية التنافس، إذ تتمتع جميعها بتوفر رؤى تنموية، مشدداً على ضرورة الاتجاه نحو التنمية.

وقال في حديث خصّ به "أخبار24" إن تجسيد رؤية 2030 التنموية للمملكة على أرض الواقع بتطبيقاتها العملية، خلق رغبة لدى دول الخليج في المضي بذات التوجه.

وأوضح أن القلق المشترك لدى دول الخليج في الوقت الراهن يتعلق بـمسألة تقلبات أسعار النفط، والاستقرار والنمو، إلى جانب تحريك الاقتصاد من التوجه الريعي إلى المنتج، وهذه تحديات جعلت دول الخليج تتضافر للعمل في المشروعات التنموية.

جولات ولي العهد لـلخليج تجسيد للوحدة

واستذكر الجاسر؛ الجولة الخليجية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في العام الماضي، قائلاً: بعد كل زيارة قام بها ولي العهد لاحظنا صدور بيانات تجسد الوحدة والرؤية الخليجية على المستويات الداخلية – الخارجية.

قمة جدة.. إعادة الاعتبار للخليج

وأشار إلى أن هناك توجهاً يشهد نمواً بشكل قوي نحو أهمية وجود صوت خليجي واحد؛ سياسياً واقتصادياً، إلى جانب الاستقلالية في الأمن، لافتاً إلى أن قمة جدة للأمن والتنمية الأخيرة جعلت دول الخليج لم تعد تتكئ على واشنطن- بحسب قوله.

من جهته، قدم الصحافي والكاتب السعودي، مشاري الذايدي، سرداً تاريخياً مقتضباً عن الدولة السعودية الأولى ورغبتها في تشكيل كيان للجزيرة العربية، إلى جانب حركة التجارة في سالف عهدها من البصرة حتى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، كتوطئة لرؤيته في هذه الندوة.

الخليج ليس بمعزل عن التطورات

وأبان أنه حتى وإن سعت دول الخليج للنأي بنفسها عن مشكلات العالم فإنها لا تستطيع ذلك، مبيناً أن الحرب الروسية – الأوكرانية تعتبر أكبر خطر تعيشه هذه الدول في الوقت الراهن، قائلاً: الكل يسعى -سواء الغرب أو موسكو- للحصول على موقف خليجي بقيادة المملكة في ملف الطاقة.

وذكر أن الكتلة الخليجية لم تعد مجرد دول تنتج البترول، بل أصبح قرارها وزاناً واستراتيجياً فاعلاً في دول العالم، لينتقل من ملف الطاقة وتشعباته إلى مسألة لا تقل أهمية المتمثلة في القضاء على الإرهاب، وتجفيف منابعه.

لا مكافحة للإرهاب دون عمق روحي

لفت الذايدي، الضليع في شؤون الجماعات الإرهابية، إلى أن دول العالم لا تستطيع مكافحة الإرهاب بشكل حقيقي ما لم تحصل على عمق روحي وإسلامي ممثل في المملكة وبقية الدول العربية.

إيران تبتلعها الثورات

أما فيما يتصل بالشأن الإيراني، لفت إلى أن طهران اليوم باتت تحت وطأة ثورات شعبية، وبدأت تصدر منها قرارات متشنجة؛ مثلما حدث في قصف إقليم كردستان العراق أخيراً، وما ترتب عليه من انتهاك لسيادة بغداد، وأوضح أن هذه المعطيات كافة ذات اتصال مباشر مع أمن الخليج.

وطرح الذايدي تساؤلاً بدا لافتاً: هل نحن في دول الخليج على استعداد لتبعات انهيار النظام الإيراني إن حدث؟ ويعتقد أن هذا الموضوع بحد ذاته يجب أن يشغل أذهان صناع الأمن الاستراتيجي، والتفكير في تبعات الأمر.

سقوط النظام الإيراني ما زال صعباً

وعن هذا السيناريو الذي طرحه، أفاد الذايدي لـ أخبار  24: أعتقد أن سيناريو سقوط النظام الإيراني ما زال صعباً، مشيراً إلى أن الأحداث الأخيرة مثل المظاهرات الحاشدة بسبب مقتَل الفتاة مهسا أميني، أحدثت زلزالاً غير مسبوق للنظام، لدرجة أن البعض بدا يطرح جدياً مدى إمكانية استمرار هذا النظام.

ومضى بالقول إنه يجب الوضع في الاعتبار أن مرض المرشد خامنئي أضاف مزيداً من الصعوبات على النظام، ولكن بكل الأحوال لنقُل إن هذا السيناريو أمر محتمل حدوثه، ودول الخليج مؤهلة للتعامل مع هذا الأمر، مثلما تعاملت مع سقوط نظام الشاه الذي كان بمثابة زلزال في المنطقة، واستطاعت عبوره.

ضعف مراكز الأبحاث في الخليج

ويشير إلى أن دول الخليج على مستوى شديد من الضعف فيما يتعلق بمراكز الأبحاث وتعزيز حضورها في ترشيد السياسات وصياغة الحلول، رغم ما تضمنته وثائق تأسيس مجلس التعاون الخليجي التي تشدد على ضرورة توفر مراكز للأبحاث.