يعتزم أكثر من خمسين طيارا من بين 700 آخرين عاطلين عن العمل بعد أن تخرجوا من معاهد وكليات متخصصة في دول أجنبية، رفع قضية تظلم في ديوان المظالم في جدة، ضد شركة الخطوط الجوية العربية السعودية، لعدم ضمهم ضمن حقل طياري الناقل الوطني منذ عدة سنوات، رغم ما تعانيه «السعودية» حالياً من نقص في كوادر الطيارين دفعها لأن تستقطب 120 طيارا هنديا للعمل لديها.

«الشرق» اطلعت على تفاصيل القضية، التي سيرفعها المحامي والمستشار القانوني أحمد السديري، للبت في أخذ حقوق الطيارين، بعد الأخذ برأي الأمير فهد بن عبد الله، رئيس هيئة الطيران المدني، لمحاولة تدخله في الموضوع والوصول لحل يضمن حقوقهم مع تغيير شروط القبول الجديدة، التي كانت قد فرضتها «السعودية» على الخريجين عقب تخرجهم، دون علمهم عنها مسبقاً، والتي وصفها المستشار القانوني السديري «بالتعسفية»، حيث كان سفرهم على ضوء الشروط القديمة.

«الشرق» وصلت لعدد من الخريجين المتضررين، وسمعت قصصهم وحكاياتهم مع الناقل الوطني، في حين اكتفى المتحدث الإعلامي باسم الخطوط السعودية عبد الله الأجهر، بقوله «ليس لدي ما أقوله في هذا الخصوص.. ولا تعليق».

دعونا نحلّق

أنشأ الطيارون العاطلون عن العمل، صفحة خاصة بهم على موقع التواصل الاجتماعي «الفيس بك» أسموها «دعونا نحلق»، تجاوز عدد أعضائها إلى الآن أكثر من ألف عضو، لطرح ومناقشة كل المستجدات ذات العلاقة، وتحتوي الصفحة على عدد كبير من المقالات واللقاءات الخاصة بالقضية، بالإضافة إلى البراهين والمستندات التي تدل على حدوث تجاوزات عديدة من قبل الخطوط السعودية.

تعميم مخالف

ويقول محمد بن رباع الذي درس الطيران في دولة الفلبين وكان موظفا في الخطوط السعودية «عندما كنت موظفا في الخطوط السعودية، طلبت منهم حينها أن أذهب للدراسة خارج المملكة، في حين لم يوافقوا على ذلك حتى بعد تنازلي عن الراتب خلال فترة دراستي، بحجة وجود تعميم بمنع الإجازات الدراسية للموظفين، التعميم الذي وصفه بن رباع مخالفاً للتوجيهات السامية بضمان أحقية منح أي موظف إجازة دراسية، في حين جاء ردهم عكس ذلك قائلين له «إذا تريد أن تذهب للدراسة قدم استقالتك»، والتي لم يجد بن رباع بدا من تقديمها فعليا أمام طموحه وإصراره على تحقيق هدفه، يقول «عندما ذهبت للدراسة كانت الشروط التي تفرضها الخطوط معروفة ومحددة وذهبت على غرارها، حيث أن الأمر الذي كان ينقصني هو وجود الرخص، فذهبت وحصلت عليها، وبعد الانتهاء من دراستي علمت أن الشروط قد تغيرت، وهذا بعد تركي لعملي وبعدما صرفت المبالغ الطائلة جراء دراستي، وعندما رجعت للوطن، لم يتم قبولي بسبب أن عمري 27 عاما، وشرطهم بأن أكون أقل من هذا العمر، بعد أن كان شرطهم في العمر المسموح به هو 45 عاما، والنتيجة أنني لم أقبل وجلست عاطلاً، وتفرغت للعمل كسائق تاكسي أكسب منه عيشي طوال ثلاث سنوات منذ بداية تخرجي.

تبريرات مجحفة

وجاءت تبريرات الخطوط السعودية في عدم قبول هؤلاء الخريجين من دول الخارج على حسب ما أفصح به بن رباع، بأنه هو وزملاؤه من الخريجين غير أكفاء للطيران، ولغتهم الإنجليزية ضعيفة، واصفاً أنهم يتهمونهم باتهامات مجحفة وغير مسؤولة، ويضيف «اختبرنا اختبارات الكفاءة عند هيئة الطيران المدني، وحصلنا على رخص التخاطب بالإنجليزي، ونجحنا بتميز، وأتينا بما يثبت أننا تخرجنا من جامعات معتمدة، ولكن الخطوط لا زالوا متعنتين».

وأضاف محمد بن رباع، إن عامة الناس عند معرفتهم بهذه المبررات التي تطلقها «السعودية» ضدهم، يجعلهم يتشككون فعلا في أهليتنا وأننا خطر على السلامة الجوية، بينما الخطوط السعودية تسعى لزرع هذه النظرة لدى المجتمع حين يصرحوا للصحف وللناس أننا لسنا «كباتن»، مؤكداً معرفته التامة أنه وزملاءه ليسوا «كباتن»، وأن هناك فرقا بين الكابتن والطيار، ففي قمرة القيادة هناك شخصان يديران الطائرة، أحدهما كابتن والآخر مساعد، والاثنان طياران حصلا على رخصة معترف بها، ويستطيعان أن يقودا الطائرة، أما الكابتن الذي يجلس على اليسار فهو الذي يتحمل كامل المسؤولية عند حدوث أمر ما.

ولمعالجة هذا الأمر أكد بن رباع رفعهم لخطابات تظلم كثيرة للديوان الملكي، وعند استفسار الديوان عن مبررات عدم قبول هذه الدفعات من الخريجين، يأتي رد الخطوط «بأنهم ليسوا أكفاء وأنهم خطر على السلامة الجوية».

وفي إطار الكفاءات والشهادات قال «مديرو الخطوط الذين يقولون بأننا لسنا أكفاء هم ومن يعاونهم ليسوا حاملي شهادات في مجال الطيران، من المتحدث الإعلامي ومدير الخطوط والكثير من رجال الإدارة، الذين دخلوا شركة الخطوط بالشهادة الثانوية، حيث إنه من المفترض أن يكون مدير شركة الطيران واحد من أبناء المؤسسة لكي يعرف الخفايا ويحكم بأهلية الشخص من عدمها، كما تساءل قائلاً إذا كانت الخطوط السعودية تتمتع بالكفاءات، فلماذا تتضاعف خسارتها في كل عام، ولماذا تتأخر الرحلات في كل يوم، حيث إن ما يقل عن رحلتين إلى ثلاث رحلات يومياً متأخرة عن موعدها؟».

وفي حين قيام الخطوط السعودية بتهميش الكوادر الوطنية، يقول:»قبل أيام قليلة زرت مستشفى الخطوط السعودية، حيث وجدت مصادفة طيارين من مختلف الدول العربية، وصلوا مؤخراً من بلادهم لعمل الفحوصات الطبية لكي يمارسوا عملهم، حيث كانوا قرابة ثلاثين طيارا من دول مختلفة».

ظلم وإجحاف

يحكي الطيار خالد المولد، قصته مع الخطوط السعودية، الطيار الذي عمل مؤخراً موظفاً في «الاستقبال» لأحد الفنادق في مدينة جدة، والعاطل عن العمل حاليا، أنه درس على حسابه الخاص في دولة الفلبين لتعلم الطيران من خلال دورات تدريبية، استغرقت ما يقارب تسعة أشهر، حيث صرف أكثر من 250 ألف ريال، كتكلفة إجمالية لدراسته مع المعيشة، ويقول: « الخطوط السعودية ظلمونا من خلال غلق الأبواب في وجوهنا، وخلق شروط جديدة، وغريبة في نفس الوقت، من جانب العمر الذي حدد بـ 27 عاما فأقل، بالإضافة إلى شرط تتفرد به الخطوط السعودية، دون باقي الخطوط في العالم، في اجتياز ستة مستويات من اللغة الإنجليزية، واختبار الـ DLR، الذي وصفه بالمضحك كون الخطوط السعودية تتبنى هذا الاختبار منفردة دون جميع شركات الطيران على وجه الأرض، حيث يرجع أن هذا الاختبار مماثل لاختبار القدرات العامة، ولكن يتخصص لاختبار «رواد الفضاء» !!, متسائلا هل سيطير إلى الفضاء في حال اجتيازه؟

الشروط الجديدة

ويضيف أحد الطيارين الآخرين الذي فضل عدم ذكر اسمه، الذي كان يعمل في الخطوط السعودية أكثر من ثلاث سنوات، حيث طالبهم للسفر خارجاً للدراسة بدون راتب، لكن تم إصدار القرار برفض جميع الإجازات بدون راتب، مشيراً أنه قدم استقالته بعد هذا القرار، وذهب للدراسة وحصل على جميع الرخص والساعات المطلوبة، وبعد العودة تقدم لهيئة الطيران المدني، لعمل اختبار المعادلة واجتاز الاختبار بكل نجاح وحصل على 97%، ومع كل هذا أكد «الطيار المتضرر» أنه لم يُنظر في ملفه بسبب الشروط الجديدة، التي اختلفت تماماً عن الشروط التي سبقتها، حيث قال في حديثه مع «الشرق» بعد أكثر من سنة كنت عاطلا عن العمل، خصوصاً أن شهادتي ورخص الطيران لا تخدمني في أي مجال غير مجال الطيران، حيث جلست عاطلا مدة عام، والآن أعمل «كاشيرا» في أحد المراكز التجارية.

خطاب تظلم

ويتكرر مسلسل الطيارين غير الأكفاء على حسب تبريرات «الخطوط السعودية» في عدم قبولهم ضمن الطيارين المعتمدين لديهم، حيث رفع أحد الطيارين خطاب شكوى للمدير العام للخطوط السعودية، حيث لم يلق على أثره أي رد، جاء فيه:

أتقدم بخطاب تظلم أوضح فيه جلياً ما حدث لي في أكاديمية الأمير سلطان بن عبد العزيز، لعلوم الطيران، من عدم المساواة التي وقعت بحقي ولم أجد من ينصفني، حيث أفيدكم أنني اجتزت جميع اختبارات القبول كاملة وفي حينها، وبدون أي رسوب أو إعادة، حيث بدأت التدريب في الأكاديمية، وقد اجتزت جميع الاختبارات منذ المرة الأولى، ومع هذا تم إحالتنا إلى دورة تدريبية أخرى لمدة شهرين، بالإضافة إلى استدعائي أنا وزملائي لاختبار «التوفل»، ولم نحرز الدرجة المطلوبة، وبعدها قدمنا لاختبار التوفل مرة أخرى، وتم إبلاغنا جميعاً برسالة رسمية وصلتنا لهواتفنا بنتائج اجتيازنا للاختبار، واستكمال مرحلة التدريب، حيث استأنفت التدريب حتى وصلت مراحل متقدمة، وفي أحد الاختبارات التالية كان يخص اختبار «الجهاز التشبيهي الثابت»، وكانت النتيجة التي توصل إليها أنني لم اجتز هذا الاختبار بنجاح كامل علماً بأن النظام في تلك المرحلة كان يكفل حقي بأخذ رحلتين إضافيتين.

«إكسترا فيشن»، وذلك حسب النظام المعمول به في حين أنني تفاجأت أن الإدارة تقول لي أن هذه هي آخر فرصة لي، كما أنها اعتمدتها كنتيجة نهائية، وفي نفس اليوم تم استدعائي من قبل الإدارة المباشرة في العمليات الجوية، وعندما سألتهم لماذا لم أعط حقي في رحلة تدريبية أخرى؟ قالوا لي بأنه أصبح لدي رسوبان، مع العلم أنه كان أول رسوب لي وكان من حقي أن أعيد الاختبار أسوة بزملائي، وأما الاختبار الآخر فكان اختبار «التوفل» الذي اختبرته ونقصني ثلاث درجات من أصل 450 كحد أدنى، مع العلم أنهم اخبروني بنجاحي في اختبار التوفل قبل ثلاثة أشهر، وأرسلوا لي رسالة تأكيدية بذلك حيث استأنفت التدريب بناء على الرسالة وعلى ما ورد فيها بضرورة استكمال التدريب، ولنفرض جدلاً أنني رسبت بالتوفل، لماذا تم إبلاغي بأنني نجحت واجتزت الاختبار، ثم بعد ثلاثة أشهر أخرى تتغير النتيجة بكل سهولة؟ ولماذا لم أعامل أسوة بزملائي الذين أعادوا اختبارات الطيران؟ حيث إنني طالبتهم بذلك فردوا علي بأنني أكلف الكثير من المال على الشركة.!!

المتضرر قد درس في الفلبين، لمدة عام وقد كلفته دراسته ما يقارب 225000 ألف ريال، حيث رجع وفُصل من برنامج الطيران دون وجه حق وبأسباب غير مبررة، وذلك حسب الخطاب الذي رفعه لإدارة الشركة لإنصافه، إلا أنه لم يجد أي إنصاف أو أي أمر يذكر من هذا القبيل.

دعوى قضائية

وقال المحامي والمستشار القانوني الأستاذ أحمد السديري، في حديثه مع «الشرق»، إنه بصدد رفع دعوى قضائية بحق أكثر من خمسين طيارا متضررا وافقوا للجوء لديوان المظالم، حيث ينتظر السديري رأي سمو الأمير فهد بن عبد الله، رئيس هيئة الطيران المدني، الذي أمر بتشكيل لجنة للاطلاع على كافة الشكاوى التي قدمها هؤلاء الطيارون، موضحاً أن شروط الخطوط السعودية التي وضعتها مؤخراً، لقبول الطيارين كانت ولا زالت شروطا تعسفية تخالف نظام المؤسسات وتخالف قوانين العمل، مضيفاً أن الشروط وضعت بعد أن استكمل كافة الطلاب جميع مراحلهم الدراسية، أي أنه من المفترض فيما لو كانت شروطا سليمة – وهذا محال- أن تطبق الشروط الجديدة على الدفعات القادمة، كون هؤلاء الخريجين ذهبوا على أساس شروط الخطوط السعودية القديمة، مؤكداً أن شرط العمر بأن لا يزيد عن 27 عاما شرط تعجيزي، ولا يوجد أي طيران في العالم يلزم بمثل هذا الشرط، موضحاً أن الأجنبي بات متميزاً لدى إدارة الخطوط السعودية أكثر من ابن الوطن , وأكد السديري أن سمو الأمير فهد بن عبد الله رئيس هيئة الطيران المدني، سوف يطلع على القضية بالكامل وسوف يتخذ الإجراءات اللازمة، وفي حال كون الأمر لم يجدِ ولم تقم الخطوط السعودية بإلغاء شروطها التعسفية سوف يُرفع ملف القضية المعد مسبقاً لديوان المظالم في مدينة جدة.

تضليل للرأي العام

ويقول بسام فتيني الإعلامي والكاتب الصحافي المتخصص في شؤون الموارد البشرية، ومدير ملتقى الكفاءات الوطنية المشرف على إدارة حملة «دعونا نُحلِق» في «الفيس بوك»، لـ «الشرق»: «في البداية لم يكن هناك إلا التجاهل التام من قبل الخطوط السعودية، ولكن مؤخرا تم التواصل مع المتحدث الرسمي للخطوط السعودية عبد الله الأجهر، وتناقشنا كثيرا في أمرهم وكان يدافع عن رأيه واحترم ما قاله، ولكنني لم اقتنع، وذكرت له حرفياً: أن تأهيل هؤلاء الشباب وتدريبهم (إن افترضنا أنهم غير مؤهلين) أولى من استقطاب طيارين من خارج المملكة وذكرت له أن هناك سوء تخطيط في إدارة الموارد البشرية داخل منشآتهم بدليل محاولتهم البحث من خارج الوطن عن كوادر في الطيران مع تزامن وجود طيارين معطلين بحجج غير مقنعة لا يتم الاستفادة منهم».

700 طيار عاطل

وأشار فتيني إلى أن أعداد الطيارين العاطلين قد تجاوزوا الـ700 طيار، وذلك ممن تم التواصل معهم عبر موقع الحملة على «الفيس بوك» وكانوا قد تخرجوا من عدة دول منها الفلبين، وأمريكا، والأردن، وجنوب أفريقيا، والسعودية، كما ذكر فتيني: «أن من أسوأ الحجج التي نسمعها هو أن هؤلاء الطيارين غير مؤهلين! رغم اجتيازهم للمتطلبات الدراسية وحصولهم على رخص من هيئة الطيران المدني والأشد ألما أن الخطوط السعودية تطلب من بعض وكالات التوظيف الدولية استقطاب طيارين ومن عدة دول كان آخرها الهند وعدة دول أخرى ويضيف: «قلتها سابقا وأقولها الآن لمسؤولي الخطوط السعودية بأننا لسنا في العصر الحجري بل في زمن الإعلام الجديد الذي ينقل ويوضح الحال دون تنميق، وليس كما تتبعه الخطوط السعودية دائما في تصريحاتها التقليدية على لسان مسؤوليها بأن تلتزم الصمت تارة وبأن تقول: كل الأمور على ما يرام تارة أخرى»!. مؤكداً أن استمرار هذا النهج من قبل الخطوط السعودية هو تضليل للرأي العام والأجدى أن تعترف بالمشكلة أولا حتى تبادر بوضع الحلول .