ترتبط المملكة والصين بعلاقات تاريخية وطيدة ضاربة في أعماق التاريخ، وظلت تتطور بشكل كبير من خلال الاتفاقيات الثنائية في البلدين.
وستجسّد زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة غداً، حرص قيادتي البلدين على تعزيز شراكتهما الاستراتيجية واستثمار إمكاناتهما السياسية والاقتصادية في خدمة مصالحهما المشتركة، خاصة وأنها ستشهد انعقاد 3 قمم تتمثل في السعودية الصينية، والخليجية الصينية، والعربية الصينية بحضور أكثر من 30 قائد دولة ومنظمة دولية.
بداية العلاقات
تعود بداية جذور العلاقات بين البلدين إلى نحو 80 عاماً بعد توقيعهما معاهدة الصداقة عام 1946، حيث بدأت علاقات تجارية بسيطة واستقبال الحجاج الصينيين، وصولًا إلى شكلها الرسمي عام 1990م بعد اتفاقهما على إقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء.
زيارات متبادلة
بدأت العلاقة بين البلدين تتطور بشكل ملحوظ بفضل الزيارات المتبادلة بين المسؤولين، والتي كان أبرزها زيارة الملك عبدا لله بن عبد العزيز لبكين عام 1998عندما كان ولياً للعهد، ثم تلتها عام 2000 زيارة مماثلة من ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز.
وأصبح الرئيس الصيني جيانج زمين أرفع مسؤول صيني يزور المملكة وذلك عام 1999، بينما شهد عام 2006 تسجيل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز زيارة إلى الدولة الواقعة في شرق آسيا حيث كانت الزيارة الأولى التي يقوم بها خارج منطقة الشرق الأوسط منذ توليه مقاليد الحكم، وأول زيارة يقوم بها ملك سعودي إلى الصين.
14 اتفاقية
واستقبل الملك سلمان عام 2016م، الرئيس الصيني شين جين ووقعت خلال الزيارة 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين، أبرزها تعزيز التعاون المشترك في شأن الحزام الاقتصادي لطريق الحرير ومبادرة طريق الحرير البحري للقرن 21، والتعاون في الطاقة الإنتاجية، حيث وقعها من الجانب السعودي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
كما دشن الملك سلمان والرئيس شين مشروع شركة ينبع أرامكو ساينبوك للتكرير "ياسرف" و الذي يمثل صرحاً جديداً للشراكة بين المملكة والصين، بينما تم تقليد ضيف البلاد قلادة الملك عبدالعزيز والتي تعد أعلى وسام في المملكة يمنح لقادة ورؤساء الدول.
اهتمام مبكر
ظل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مهتماً بالعلاقات مع الصين، حيث زارها عام 1999م حينما كان أميرًا لمنطقة الرياض، وفي عام 2014م عندما كان وليًا للعهد، بينما جاءت زيارته الأخيرة عام 2017 م والتي جرى خلالها التوقيع على العديد من مذكرات التفاهم والتعاون، في عدد من المجالات، منها علوم وتقنية الفضاء، وبرنامج التعاون الفني في المجال التجاري، ومذكرة التفاهم بشأن إسهام الصندوق السعودي للتنمية في تمويل مشروع إنشاء مبانٍ جامعية في إقليم سانشي.
كما حرص ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أيضاً على توطيد العلاقات مع الصين وزارها عامي 2019 و2022 والتي رافقه فيها العديد من المسؤولين.
تعزيز أكبر
تعززت العلاقات السعودية الصينية بشكل كبير عام 2016 بعد زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى بكين ولقائه الرئيس شين جين ونائبه تشانغ لي، وعدداً من المسؤولين، حيث استعرضت اللقاءات الجهود التنسيقية المشتركة لتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات بما يتلاءم مع رؤيتهما في تعزيز مكانتهما الدولية واستثمار الموارد المتاحة.
كما التقى ولي العهد رئيس وفد المملكة المشارك في قمة قادة دول مجموعة الـ 20 في الأرجنتين عام 2018 الرئيس شي جين واستعرضا الشراكة بين البلدين في مختلف المجالات، فيما سجل ولي العهد الشهر الماضي زيارة أيضاً إلى الصين وبحث فيها تعزيز العلاقات.
فيما تقود اللجنة السعودية - الصينية المشتركة رفيعة المستوى، التي يرأسها من جانب المملكة ولي العهد، ومن الجانب الصيني نائب الرئيس، جهود البلدين لزيادة التنسيق في الشأنين السياسي والأمني، وتعزيز أوجه التعاون في الجوانب التجارية والاستثمارية، والطاقة، والثقافة، والتقنية.
اجتماع اللجنة المشتركة
استكمالاً لتعزيز العلاقات زار ولي العهد الصين مجدداً عام 2019م، حيث التقى الرئيس شي جين، ورأس أعمال الدورة الثالثة للجنة السعودية الصينية المشتركة رفيعة المستوى، والتي تم خلالها التطرق إلى التعاون المشترك بين البلدين، ومجالات التنسيق في الشأن السياسي والأمني.
و أقيم على هامش الزيارة منتدى الاستثمار السعودي الصيني الذي شهد مشاركة أكثر من 25 جهة من القطاعين الحكومي والخاص في المملكة، ونتج عنه توقيع 35 اتفاقية تقدر بأكثر من 28 مليار دولار وتسليم 4 تراخيص لشركات صينية مختصة في عدد من المجالات.
اتفاقيات تعاون
وشملت اتفاقيات التعاون الموقعة خلال المنتدى مجالات القطاعات المستهدفة من قبل المملكة مثل تطبيقات الطاقة المتجددة، ومنها اتفاقية التعاون بين الهيئة العامة للاستثمار و"قولد ويند الدولية القابضة"، والتي تهدف إلى تفعيل أطر التعاون والتشاور في مجال تطوير الاستثمار في توربينات الرياح الهوائية عن طريق تصنيع أجهزة التحكم الكهربائية، وهياكل المحركات الهوائية وشفرات التوربينات والمولدات الهوائية باستثمار يقدر بـ 18 مليون دولار، فيما وقعت اتفاقيات تشمل كلاً من صناعة البتروكيماويات وتقنية المعلومات والبنية التحتية.
شراكة تجارية
تعد الصين الشريك التجاري الأول للمملكة في آخر 5 سنوات، حيث كانت الوجهة الأولى لصادرات المملكة ووارداتها الخارجية منذ عام 2018، إذ بلغ حجم التجارة البينية 309 مليارات ريال، عام 2021، بزيادة قدرها 39% عن عام 2020، كما بلغ إجمالي حجم الصادرات السعودية إلى بكين 192 مليار ريال، منها صادرات غير نفطية بقيمة 41 مليار ريال.
وبلغت العلامات التجارية الصينية في المملكة أكثر من 3 آلاف، إلى جانب 274 شركة صينية بينما تعمل 8 شركات سعودية في الصين، مع بلوغ قيمة المشروعات السعودية حتى عام 2020 نحو 8.5 مليار ريال.
وامتد التعاون ليشمل استقطاب العمالة من خلال وجود 16.9 ألف عامل صيني في المملكة بنهاية عام 2021.
التصدير والاستيراد
تمثل أهم السلع المستوردة من الصين الأجهزة والمعدات الكهربائية والآليات وأجزاؤها، والسيارات وأجزاؤها، والأثاث، والمباني المصنعة، والأجهزة الطبية والبصرية والتصويرية، بينما أهم السلع الوطنية المصدرة للصين المنتجات المعدنية، والمنتجات الكيماوية العضوية، واللدائن ومصنوعاتها، وخامات المعادن.
استثمارات كبيرة
شهدت الاستثمارات السعودية في الصين ارتفاعاً كبيراً، حيث تجاوزت 8.6 مليار ريال فيما جاءت المملكة في المرتبة 12 في ترتيب الدول المستثمرة في الصين حتى نهاية عام 2019، في المقابل بلغت قيمة الاستثمارات الصينية في المملكة 29 مليار ريال بنهاية عام 2021.
وتسعى المملكة إلى بناء شراكة استراتيجية تدعم التجارة والاستثمار مع الجانب الصيني، وتجعلها الشريك الأول الموثوق لها في المنطقة، حيث استحوذت المملكة على أكثر من 20.3٪
وبلغت استثمارات الصين في العالم العربي بين عامي 2005 و2020، 196.9 مليار دولار، لتصبح بذلك أكبر الدول العربية استقبالاً للاستثمارات الصينية خلال تلك الفترة بنحو 39.9 مليار دولار.
صندوق دعم التقنية
أسس البلدان صندوقاً مشتركاً لدعم الشركات التقنية الناشئة في المملكة برأس مال يقدّر بـ 1.5 مليار ريال سعودي بشراكة بين "eWTp" الصينية المدعومة من قبل شركة "علي بابا" وصندوق الاستثمارات العامة، وبدعم من الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، بهدف الإسهام في دعم منظومة اقتصادية متينة للأعمال الرقمية في المملكة.
كما أبدت 15 شركة صينية مؤخراً رغبتها في الاستثمار في المملكة، وفيما بدأت شركات صينية في تنفيذ مشاريعها، مثل شركة "Shengkong" التي وضعت حجر الأساس لمصنع لمصابيح الإضاءة "LED" في مدينة الجبيل بقيمة تتجاوز 3.3 مليار ريال، وتدشين مشروع مصنع شركة "بان آسيا" الصينية في مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، باستثمارات قدرها أربعة مليارات دولار
فيما يستعد البلدان أيضاً لإطلاق مشروع شركة سابك فوجيان للبتروكيماويات المحدودة، وهو مشروع مشترك يشمل معمل تكسير ذي سعة عالية وينتج عدداً من المنتجات البتروكيماوية، وتقدر قيمة المشروع بـ 22.5 مليار ريال سعودي، وتبلغ حصة شركة سابك فيه 51%.
مجال الطاقة
تمثل الصادرات النفطية 85% من إجمالي الصادرات السلعية من المملكة إلى الصين، حيث احتفظت الرياض بصدارة إمدادات النفط إلى بكين عام 2021، إفيما ارتفعت الواردات الصينية من المملكة بنسبة 3.1٪، مقارنة بـ 2020 وزادت حصتها إلى 17٪ من إجمالي الواردات.
وتعد شركة ينبع أرامكو سينوبك للتكرير "ياسرف" المحدودة، نموذجاً للشراكات الاستثمارية بين المملكة والصين، فهي مشروع مشترك بين شركتي أرامكو السعودية و"سينوبك" الصينية، كما تمتلك الشركة مصفاة تحويلية متكاملة، لمعالجة 400 ألف برميل يومياً من الخام العربي الثقيل وتحويلها إلى منتجات يطلبها السوقان السعودي والعالمي، على جانب توقيع البلدين على مشروع لزيادة التعاون النووي، بهدف تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين في مجال تطوير استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية، ما يمهد الطريق لتعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي والاقتصادي بين البلدين.
تعاون ثقافي وتعليمي
شملت العلاقات بين البلدين تعاوناً في المجال الثقافي، حيث أعلنت وزارة الثقافة عام 2019 "جائزة الأمير محمد بن سلمان" للتعاون الثقافي بين المملكة والصين، والتي تهدف إلى ترويج اللغة والآداب والفنون العربية والإبداعية في الصين.
وشهد تطور العلاقات في هذا المجال تقدماً من خلال تنظيم معرض روائع آثار المملكة في بكين، ومعرض الآثار الثقافية الصينية في الرياض، وافتتاح فرع لمكتبة الملك عبدالعزيز في جامعة بكين، كما تضمن التعاون بين البلدين مجال التعليم من خلال بدء تدريس اللغة الصينية في عدد من الجامعات والمدارس السعودية، كما يتم حالياً تدريس اللغة العربية في 44 جامعة صينية، فيما يبلغ عدد الطلاب السعوديين المبتعثين إلى الصين 176 حالياً، ليصلوا إلى 2340 منذ بدء ابتعاثهم عام 2005.
الجانب السياحي
امتد التعاون بين المملكة والصين ليشمل الجانب السياحي من خلال توقيع وزارة السياحة مذكرة تفاهم مع الذراع التقني لمجموعة "علي بابا" العالمية لتوفير تجارب سياحية ملهمة وسلسة لزوار المملكة من الصين، والترويج للسعودية كوجهة سياحية في السوق الصيني، كما أصبحت الصين ضمن الوجهات السياحية للسعوديين، إذ بلغ عددهم 838 في عام 2021.
فيما تمثل السياحة الدينية الوجهة الأكبر للصينين من خلال وصول 11.5 ألف حاج إلى المملكة عام 2019.
اتفاقيات جديدة
سيتواصل التعاون بين البلدين بتوقيع أكثر من 20 اتفاقية أولية بقيمة تتجاوز 110 مليارات ريال ستتم على هامش القمة السعودية الصينية، إضافة إلى توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية، وخطة المواءمة بين رؤية المملكة 2030، ومبادرة الحزام والطريق، كما سيُعلن إطلاق جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين السعودية والصين.