ستُروى هذه الرواية ضمن حكايا الجدات في قادم السنين والأيام، والجدات هُن ألطف سجلات التاريخ. ستقول إحداهن، من منطلق الفخر والاعتزاز، إن سطام العنزي، ذات مرّة، رفض أن ينفذ بجلده، تاركاً وراء ظهره بعضاً من رفاق الدرب. اشتعلت النيران، وأبى الابتعاد عن لهيبها، دون أن ينجو أحد بعد.
وصفحات التاريخ ستُدون اعتزاز رئيس مجلس الوزراء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ بالعنزي، عقب ذلك الحريق الطارئ الذي تعرض له محيط خزان في محطة لمعالجة النفط الخام في الوسيع (90 كيلومترا شرق الرياض) في 16 أكتوبر 2016. وهذا ما قاد الأمير محمد بن سلمان في حينها، للتوجيه بعلاج العنزي بأرقى المستشفيات العالمية، تقديراً لموقفه البطولي غير المستغرب.
العنزي التقاه "أخبار 24"، وبدا أن بعضاً من الذكريات لا تزال عالقة في ذهنه، أهمها، الموقف الذي جسده ولي العهد مقابل حالته الصحية الحرجة، في حين لم يُخفِ حزنه الشديد، رغم مرور الوقت، على زميله مبارك الدوسري، الذي كان أحد ضحايا حريق المحطة، وهو ما يتسبب له بصعوبة في العودة لذلك الموقع.
يقول سطام خلال لقاء "أخبار 24" معه؛ "يصعب عليّ زيارة ذلك الموقع. زميلي مبارك الدوسري كان مثالاً في الإخلاص والاجتهاد في العمل. كان من خيرة الشباب ويُضرب به المثل في الجدية العملية. ذهب ضحية ذلك الحادث. يصعب عليّ زيارة ذلك الموقع بعد رحيله؛ رحمه الله".
وبنبرة صوتٍ محفوفة بالعبرات، يمضى رئيس قسم اللحام في محطة الوسيع، وابن شركة أرامكو النفطية العريقة، خلال حديثه عن تلك الحادثة، ويقول: "أذكر أنه في وسط الحريق، قدت سيارة إسعاف لإنقاذ من يمكن إنقاذه من زملائي، وإخراجهم من ذلك الوضع الملتهب، إلى بر الأمان. وقتها لم أكُن أشعر بإصابتي، حتى إن بعض الزملاء المصابين قاموا بمساعدتي وقدموا لي الإسعافات الأولية، إلى أن تم نقلي للعناية المركزة. حينذاك لم أكن أشعر بنفسي".
وكان العنزي قد أصيب بحروق متفرقة في أطراف الجسم والوجه والظهر، ترتب عليها ضعف أداء واجبات الأعصاب، وأعاقت لديه القدرة على تناول الطعام، بالإضافة إلى أداء عديد من الأمور الحياتية اليومية، لكنه يرى أن حالته الصحية في طريقها للتحسن، وذلك طبقاً للتقارير الطبية التي أصدرها المستشفى الذي قام بعلاجه، بناء على توجيه الدولة.
وبالنظر لهذه القصة، وتسلسلاتها الدراماتيكية، يمكن استحضار حديث ولي العهد، حين قال ذات يوم: "أعيش بين شعب جبّار وعظيم". وذلك ما أكدته قدرة سطام على الصبر، إذ إنه وبحسب رواية أحد زملائه، كان، وهو في أشد ألمه يرقد على السرير الأبيض في مستشفى الحرس الوطني بالرياض وبين الأجهزة، حريصاً على السؤال عن زملائه واحد تلو الآخر، وعن أوضاعهم الصحية.
ويُجسد العنزي المثال الذي يفخر به الوطن بمن فيه، ويحرص على تصويره كنبراس للفروسية والمروءة والشجاعة والشهامة، التي يختص بها الإنسان السعودي دون غيره.