اعتبر الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الشورى، فضل البوعينين، أن قرار البنك المركزي السعودي "ساما" التريث واستمرار دراسة مشروع اختبار العملة الرقمية "إيجابي"، مضيفاً أن القطاعات المالية غير جاهزة لمثل هذا التحول الجوهري.
وكان البنك قد أعلن أمس مواصلة مشروع اختبار العملة الرقمية، وأكد عدم اتخاذ أي قرار بشأن بدء استخدام العملة الرقمية للبنك المركزي في المملكة، إلا أنه يواصل عمله وتركيزه حالياً على استكشاف المنافع والمخاطر المحتملة لاستخدام العملة الرقمية، بما يساهم في اتخاذ قرارات مدروسة، ويثري النتائج العالمية المتعلقة باستخدام هذه العملات على صعيد البنوك المركزية.
تحفظ ودعوة للتريث
وفي هذا الصدد، شدد الاقتصادي فضل البوعينين في تصريح لـ"أخبار 24" على أن استخدام العملة الرقمية للبنوك المركزية لا يخلو من المخاطر، لارتباطها المباشر بتقنيات حديثة قد لا تحقق متطلبات البنوك المركزية بشكل عام، كما أن جاهزية القطاعات المالية والاقتصادية عموما لم تصل بعد إلى مستوى تبني مثل هذا التحول الجوهري في التعاملات النقدية.
وأضاف: "مهما قيل عن إيجابيات العملات الرقمية والتحول النقدي العالمي، إلا أنني أتحفظ على هذا التوجه وأعتقد أن الدخول في قنوات العملات الرقمية قد يجرد البنوك المركزية من بعض أدواتها المهمة كما أنه يجعلها أمام مخاطر تقنية عالية، وكذلك المؤسسات المالية التي ستكون جزءا من منظومة العملات الرقمية في حال إقرارها".
واعتبر البوعينين أن عدم اتخاذ البنك المركزي السعودي أي قرار بشأن بدء استخدام العملة الرقمية ومواصلته استكشاف المنافع والمخاطر المحتملة لاستخدام العملة الرقمية، أمر إيجابي، راجياً ألا يكون هناك تسرع في اتخاذ قرار البدء في استخدامها خاصة أن البنوك المركزية العالمية ما زالت تستكشف كل ما له علاقة بها.
واستدرك البوعينين قائلا: "هذا لا يمنع التأكيد على أهمية مضي البنك المركزي قدماً في الدراسة والإحاطة بكل ما له علاقة بالعملات الرقمية خاصة الجوانب القانونية والأمنية وجاهزية السوق والاستفادة من الدراسات المنبثقة عن البنوك المركزية العالمية لوضع تصور شامل ومتوافق مع المتغيرات الدولية".
وزاد: "في الوقت الحالي أعتقد أن المدفوعات الرقمية باتت تحقق سرعة المدفوعات ورقمنتها وسهولة استخداماتها على المستويين المحلي والدولي إضافة الى تحقيقها عنصر الأمان الذي يعتبر أهم متطلبات التعاملات المالية والنقدية، وبالتالي فتحقق الغاية يغني عن المغامرة بالدخول في قنوات تقنية غير مأمونة".
مشروع عابر
نجح البنك المركزي السعودي في وقت سابق، باختبار العملة الرقمية للبنك المركزي عبر مشروع «عابر» في عام 2019م، وهو مبادرة أُطلقت بالتعاون مع مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي؛ لبحث مدى إمكانية استخدام تقنية السجلات الموزعة لتسهيل المدفوعات عبر الحدود؛ بهدف إثبات جدوى إصدار عملة رقمية مشتركة من خلال استخدام تقنيات السجلات الموزعة من أجل اختبار إمكانية الاستفادة منها، في تطوير أنظمة الدفع عبر الحدود بين البلدين.
وأتاح مشروع عابر فرصة لدراسة البنية التحتية المبنية على تقنية سلسلة الكتل والسجلات الموزعة، ودراسة الأبعاد التقنية للعملة الرقمية للبنك المركزي وكيفية إصدارها وتداولها، بالإضافة إلى عمليات التسويات بين البنوك، ويعد إثبات مفهوم تجريبي يهدف إلى تقييم التأثيرات الفنية والتشغيلية على البنية الحالية، ويوفر مجموعة من المعلومات والبيانات، التي يمكن الارتكاز عليها لإنجاز دراسات أخرى، لتحديد تأثير تلك التقنيات على السياسة النقدية والاستقرار المالي.
عملة تجريبية
يعد المشروع من التجارب الرائدة حول العالم من حيث تضمنه عمليات مالية حقيقية عبر الحدود، باستخدام تقنية سلسلة الكتل والسجلات الموزعة، بإشراف بنكين مركزيين وعدد من البنوك التجارية الخاضعة لإشرافهما. وتعزز التجربة مسار الابتكار المالي، كونها مبنية على فكرة إثبات المفهوم، ما يتيح للجهات النظيرة والمهتمين، الوصول إلى تصور أفضل للتحديات والمخاطر التقنية المصاحبة والآليات المقترحة لإدارتها وتجاوزها.
وتم إصدار عملة رقمية تجريبية مشتركة بين البنك المركزي السعودي - ومصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، تعتمد على مبدأ التشفير؛ بهدف تداولها بشكل محصور بين البنكين المركزيين، بالإضافة إلى البنوك المشاركة من البلدين من خلال استخدام تقنية السجلات الموزعة.
ومن ضمن أهداف إصدار هذه العملة من قبل البنكين المركزيين للبلدين، دراسة أداء العملة الرقمية في تنفيذ التعاملات البنكية من الجانب التقني والعملي، وتأثيرها على عدد من الجوانب.
ولا يمكن للأفراد أو الكيانات الأخرى استخدام هذه العملة الرقمية، حيث تم إصدار هذه العملة بشكل محصور؛ لاستخدام الرسمي من البنكين المركزيين والبنوك المشاركة في المشروع فقط.
استخدام الأموال الفعلية
ومن أهم مميزات مشروع "عابر" استخدام وربط الأموال الفعلية، إذ قامت البنوك التجارية المشاركة بتوفير أموال فعلية من احتياطاتها لدى البنك المركزي؛ لتمويل حسابات العملة الرقمية المستخدمة من قِبلها.
وساعد استخدام أموال فعلية البنوك المركزية والتجارية على دراسة الآليات والطرق التي سيتم من خلالها إدارة العملة الرقمية في سجلاتها، وتحديد أنظمة الخدمات المصرفية الأساسية، التي ستتأثر في حال ما إذا تم تطبيق نظام كهذا في البيئة التشغيلية الفعلية وتوسيع نطاقه. وقد نتج عن هذا الأمر سلسلة من الدروس المستفادة والملاحظات القيّمة التي لم يكن للبنوك التجارية أن تحظى بها لو لم يتم استخدام أموال فعلية في التجربة.
إصدار وإتلاف العملة
وتعد خصوصية المتعاملين أحد أهم مبادئ اختيار التقنية المستخدمة في المشروع، بالإضافة إلى كونها مطلباً أساسياً في تصميم الحلول المرجوة في مشروع "عابر"، وقد تم العمل على تصميم النظام بمستويات عالية من الخصوصية مع الاستفادة القصوى من خصائص تقنيات السجلات الموزعة. وتم استخدام سلسلة كتل مغلقة في تجربة مشروع عابر، وذلك لمحدودية الجهات المشاركة في التجربة، وحرصاً على إدارة مخاطر المشروع بالشكل الأمثل، بحيث تكون خاصيتا إصدار وإتلاف العملة الرقمية مقتصرتين على البنكين المركزيين فقط، حيث يتم إصدار وإتلاف العملة الرقمية الصادرة بناءً على طلب يقوم من خلاله البنك المركزي بتحويل النقد إلى عملة رقمية، والعكس باستخدام حساب البنك التجاري.
الأثر على السياسة النقدية والاستقرار المالي
ويتناول المشروع الجوانب الفنية والتشغيلية فقط لاستخدام تقنيات سلسلة الكتل والسجلات الموزعة لتحويل العملة الرقمية للبنك المركزي. ويعتبر التطبيق الواقعي لرؤية مشروع العملة الرقمية للبنك المركزي القائمة على تقنية السجلات الموزعة؛ من خلال دراسة جوانب الأثر الاقتصادي، وخصوصاً على السياسة النقدية والاستقرار المالي والآثار التنظيمية من المجالات التي يمكن دراستها، والبحث فيها أكثر في المستقبل. ويشمل هذا القرارات المتعلقة بالمجالات النقدية كأسعار الصرف، وأسعار الفائدة التي يجب تطبيقها على العملة الرقمية الصادرة من خلال تقنية السجلات الموزعة.
ويقوم بناء مشروع "عابر" على التجارب والمشاريع التي سبقته في هذا المجال، وفي الوقت نفسه، قدم المشروع مساهمات كبيرة في الجوانب التي تم العمل عليها وأضاف إليها قيمة جديدة، بينما ينطبق الأمر ذاته، على المشاريع اللاحقة، إذ يمكنها الاستفادة مما أنجزه المشروع من أجل توسيع نطاق المحتوى المعرفي والخبرات في مجال إصدار العملة الرقمية للبنك المركزي، واستخدام تقنيات سلسلة الكتل والسجلات الموزعة في عمليات التحويل عبر الحدود.