قال ذات مرّه، الأمير بدر بن عبد المحسن، أحد أهم وأبرز رموز الحداثة الشعرية في الخليج والعالم العربي، مُتعالياً على حزنه، في التعبير لمن يُحب "ماقلتلك اشيائي الحلوه قليل.. وماقلتلك أشياء ثلاث باقيه.. إنك مثل حزني قدر.. وإنك مثل ليلي سهر.. وإنك عمر.. والعمر مره بالعمر".
مضى وقتٌ وتحولت هذه الحروف، إلى ومضات تضئ حياة العاشقين، في الحب، والعتب، والحزن والفرح، وبقيت حتى يومنا هذا، كأحد أكثر ما كُتب من ناحية المصداقية، التي تجمع حبيبٌ بحبيب، وتختصر عليهم المسافات، وتقربهما في حال الفراق والبعد.
واستناداً على ذلك، يمكن وصف "الأغنية"، بأنها وسيلة البوح الأولى بين العشاق، ووثيقة التسجيل لولادة غرام جديد، كونها أقرب اللغات التي تقود المُحبين لنقطة لقاءٍ واحدة، تختصر ما تختلجه مشاعرهم، في ظل قيود الحياة، وبخاصة في المجتمعات ذات الصبغة المحافظة التي تكاد تندر فيها الإشارة الصريحة عن الحب، ومفاهيم العاطفة.
وهذا ضمن جملة عوامل قادت لأن تتحول الأغنية إلى ظاهرة بين المحبين، ومادة فنية قابلة للاستكشاف والصفاء الذهني والسكينة، كما تؤكد الفنانة السعودية دانية الصالح، التي دأبت في أعمالها سبر أغوار النفس البشرية، والذاكرة، بأعذب الألحان والأغاني.
والصالح كسرت كل القيود، لتصوغ فكرةً لعملٍ فني جديد، أطلقت عليه "قصص الحب"، قامت ببنائها عبر تقنيات التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، ليُجسد ما يندثر في ذاكرتها وعاطفتها، ونثرت ابداعها الفني، على 26 شخصية معبرة، في معرضٍ يحتضنه الحي الدبلوماسي في الرياض. والعمل الفني، يتجسد في مقابلة 13 رجلاً، لـ13 إمرأة، كل منهما يقف أمام الآخر بشكلٍ منفرد، ويهم أحدهم في الغناء للآخر، ليتم تشكيل أحد الصور التعبيرية عن الحب والعاطفة اللتين تجمعان طرفان ببعضهما البعض.
ويتضمن العمل من جانبٍ آخر، ظهور رجل وأمراة مختلفان عن الشخصيات الأخرى، يخرجان للغناء، ثم يختفيان، وبعدئذ يتبعهما شخصان آخران يكرران الفعل ذاته، محركين شفاههم بالتزامن مع تلك القائمة من الأغنيات التي تفيض حباً ووله.
وتكمن المفارقة اللافتة التي تعمدت الصالح توظيفها، في أنها جعلت تلك الشخصيات بملامح سعودية، في رغبة كامنة داخلها بضرورة عدم الخجل من مشاعر الحب الإنسانية، واستخدمت في عملها الفني، تقنيات الرسم بخرائط الفيديو، والموسيقى، إلى جانب توظيف تقنية التزيف العميق لتلك الشخصيات، إضافة إلى ترجمة كلمات الحب الحاضرة في نصوص الاغنيات، باللغة الإنجليزية.
بالنسبة للصالح، فلها أسبابها التي دفعتها لإنتاج هذا العمل بهذا الشكل، إذ تعتقد إن الازدواجية في مسائل العاطفة والحب وتحريمها، كانت دافعاً يحثها لاختيار فكرة هذا العمل الذي بدا لافتاً بتفاصيله. وتمضي في الإسهاب بشرح روايتها، في حديث خصّت به"أخبار 24"، لتقول "من اللافت أننا نكرر ونحفظ الأغنيات المعبرة عن الحب، وأبيات الشعر أيضاً، وفي الوقت ذاته، يعد الافصاح عن هذه المشاعر نوعاً من المحظور والعيب. دعني أٌقول لك أنني أردت التعبير عما يُخالجني، من خلال شخصيات العمل الغير حقيقية، وأخترت مجموعة أغنيات شهيرة معبرة عن الحب، وحاولت التركيز على كلماتها، من أجل الاستعانة بها في العمل، الذي وجد أصداء ورواجاً لافتاً من قبل الزوار".
وبحسب ما تروي، فقد عملت على إنتقاء الموسيقى المؤثرة، ما شكّل ردود فعلٍ على وجوه الزوار، الذين اتضح تحرك مشاعرهم، وذلك من خلال جملة أغاني، كأغنية ماجد المهندس (والله واحشني موت)، وأحلام (تدري ليش أزعل عليك)، ومحمد عبده (قسوة)، وعبد الكريم عبد القادر (أحبك)، وذكرى (الله غالب)، وميادة الحناوي (ليه خليتني أحبك)، وعبد الرب إدريس (ليلة لو باقي ليلة)، وعبد المجيد عبد الله (روحي تحبك)، وطلال مداح (العشق)، وراشد القلب (سارق القلب)، وغيرها.
وبعد كل هذا الذي سبق، يمكن التأكيد على أنه بعيداً عن كون الموسيقى غذاء للروح، فهي أيضاً، رسالة السلام.. "التي لا تكذب".