في الثلاثين من مارس عام 2021، كان الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء ولي العهد، يجتمع مع رجال أعمال ومسؤولين في القطاع الخاص. كانت الأرقام المتداولة في ذاك اللقاء مرعبة. وتدعو في الوقت ذاته للتفاؤل. قال وقتها ولي العهد، إن التفكير في الاستثمار طويل الأجل في مستقبل المملكة ضرورةٌ مُلحةٌ.
وفي ثنايا الحديث الذي دار بين الأمير محمد، وعدد من الوزراء، ورجال الأعمال، كان هناك ما يشبه "الشفرة" التي تحتاج إلى فك رموزها. قال ولي العهد بعد أن عدّدَ أرقاماً فلكية، من المفترض أن تكون على شكل مشاريع تنموية، حتى وصول عام 2030 "أن هذه الأرقام تعني ما تم صرفه خلال ثلاث مائة سنة، أي منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى".
مرت الجملة مرور الكرام على الكثير. ومرت الأيام أيضاً معها، والأسابيع والأشهر. وبعد عشرة أشهر ونصف، أي في 27 يناير 2022، صدر أمرٌ ملكي، يقضي بأن يكون يوم 22 فبراير من كل عام، يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم (يوم التأسيس).
اتضح لاحقاً، أن ما قاله ولي العهد في ذلك الإجتماع ليس من باب المصادفة، إنما كانت النوايا حاضرة، لهندسة ارتباط التاريخ ببعضه، وإعادة دَفة الخط التاريخي إلى اتجاهه الصحيح، الذي لا يمكن أن يكون متجزئاً أو منفصلاً عن بعضه البعض.
من هنا يمكن فهم واستيعاب قرار الدولة، النابع من ضرورة الاعتزاز بالجذور الراسخة، وارتباط مواطنيها الوثيق بقادتها منذ عهد الإمام محمد بن سعود قبل ثلاثة قرون، وبداية تأسيسه في منتصف عام 1139هـ (1727م) للدولة السعودية الأولى التي استمرت إلى عام 1233هـ (1818م)، وعاصمتها الدرعية ودستورها القرآن الكريم والسنة النبوية، وما أرسته من الوحدة والأمن في الجزيرة العربية.
وبعد قرون من التشتت والفرقة وعدم الاستقرار، وصمودها أمام محاولات القضاء عليها، إذ لم يمضِ سوى سبع سنوات على انتهائها، حتى تمكن الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود عام 1240هـ (1824م) من استعادتها وتأسيس الدولة السعودية الثانية التي استمرت إلى عام 1309هـ (1891م).
وبعد انتهائها بعشر سنوات، قيض الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود عام 1319هـ (1902م) ليؤسس الدولة السعودية الثالثة ويوحدها باسم المملكة العربية السعودية، وسار أبناؤه الملوك من بعده على نهجه في تعزيز بناء هذه الدولة ووحدتها.
وبناء على ما سبق، يمكن فهم "الشَفرة" التي جاءت على لسان ولي العهد خلال ذلك الاجتماع، وربطها بذلك القرار، الذي أنتج حالةً اجتماعية متلاحمة، تعتز بتاريخٍ عريق، مترابط، يتحدث أوله عن آخِره، ويعتزّ آخِره بأوله.. لذا أصبح "يوم التأسيس"، يومًا موعودًا في حياة السعوديين.