امرأة سعودية كتب عنها المؤرخون. بسالتها وشجاعتها كانت العامل الملهم. اشتهرت بأدوار بطولية. ردعت كثيراً من الغزاة على رأسهم محمد علي باشا، الذي شنّ حملةً على الحجاز ونجد للقضاء على الدولة السعودية الأولى وقتئذٍ. وشكّلت العامل الذي وضع للمرأة دوراً رئيسياً في ردع الغزو العثماني.

تُدعى تلك المرأة غالية بنت عبدالرحمن بن سلطان البدري الوازعي البقمي، نشأت وترعرعت في مدينة تربة التي تقع على حدود الحجاز مع نجد، وعلى ضفاف أكبر أودية الجزيرة العربية.

وهذه المدينة تحديداً تتميز بالنشاط الزراعي، ما جعلها ممراً لقوافل التجار، وهذا ما دفعها لتكتسب عدداً من السمات، ففرصة الالتقاء بالتجار، مكنتها من الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم. كما زودتها بمعرفة دقيقة بشؤون من حولها من القبائل المجاورة، إضافة لمركز والدها وثراء المنطقة اللذين عزّزا صفة الكرم والعطاء لديها.

وتعددت الروايات حول قصة غالية، غير أن بسالتها التي أبدتها أمام جيوش الغزاة، تعد ملحمة تاريخية ما زالت تستذكر حتى يومنا هذا، فيما ذاع صيتها ما بين الحجاز ونجد، بل إن قصتها لاقت انتشاراً حتى في إسطنبول وفي العالم أجمع.

إذ لعبت "غالية" دوراً حاسماً وقياديًا في التصدي للحملات العسكرية العثمانية، متصدية لحملة مصطفى بك سنة 1813م على أراضي تربة، بعد أن اتخذت من منزلها مقراً للقيادة العامة، ففيه تعقد الاجتماعات لمناقشة شؤون الحرب وبعدئذٍ خرجت بمعيّة رجالها بعد أن خطبت فيهم واستثارت نخوتهم حتى جرت هزيمة مصطفى بك، واستطاعت بعدها بعام التصدي أيضاً لحملة أحمد طوسون في تربة أيضاً.

وتشير روايات تاريخية متعددة، إلى أن إرادة غالية الوطنية جعلت آلاف الرجال من مختلف قبائل الجزيرة العربية يطيعون أوامرها، وهو الأمر الذي جعل القادة الأتراك يصفونها بـ"الساحرة"، نتيجة لاجتماع تلك القبائل على قلب امرأة واحدة.

وتتمتع غالية البقمي بحصافة الرأي، والحذاقة، واستبيان الأمور، والمعرفة الشمولية بأمور القبائل المحيطة بها، لذا حسب أرجح الآراء التاريخية، فإن صوتها لم يكن مسموعاً في المجالس وحسب، بل تجاوز الأمر إلى سائر أنحاء البلاد. ومن الشواهد التاريخية التي ما تزال تُذكر عن هذه المرأة قصتها حينما توفي زوجها خلال احتدام المعارك، ولم تخبر الجيش بوفاته، خشية أن يصاب فرسان القبيلة بتدني المعنويات، والخوف.

واستمرت في إعطاء الأوامر للجيش على لسان زوجها المتوفى، بل إنه فيما يدل على حنكتها، أنها أمرت الجيش بحمل المياه إلى رؤوس الجبال، لتصدم العثمانيين بعدم توافرها، لكي ينهكهم العطش، فيما نجحت خطتها بعدئذٍ.

ويقول عنها المستشرق السويسري، بوركهارت الذي كان مرافقاً لمحمد علي باشا "يتزعم عرب البقوم الذين يعمل بعضهم في الرعي والآخر في الزراعة، أرملة تسمى غالية، زوجها أحد زعماء تربة، فيما تتمتع بثروة تفوق ما لدى أي أسرة عربية في منطقتها وقتئذٍ" .

ويضيف: "كانت غالية البقمية توزع نقوداً ومؤناً على فقراء قبيلتها، الذين كانوا على استعداد لقتال الأتراك، وكانت مائدتها دائماً معدة لجميع المواطنين المخلصين الذين يعقد زعماؤهم مجالس في بيتها".

وشكلت غالية البقمي إحدى أقوى الشخصيات النسائية في التاريخ السعودي المعاصر، وباتت نبراساً يُحتذى بقوته وحكمته وإصراره منذ ذلك الوقت، وحتى هذا اليوم.