ما إن تدلف صالة الحجاج الغربية، حيث ينعقد بينالي الفنون الإسلامية هناك في مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، حتى يصطحبك المرشدون الثقافيون، إلى رحلة روحانية تستحضر ما أنتجه تراث الثقافة الإسلامية، تتيح لك التأمل في معاني العبادة عبر نماذج فنية معاصرة، ونوادر تراثية فريدة.

ففي رحاب صالة البينالي وما تضمه من مبانٍ للعرض، ينتشر أولئك الشبّان والشابات معظمهم طلاب في مرحلتهم الجامعية، مكرسين جهدهم لإرشاد الزوار، وتعريفهم بنوادر القطع التراثية، والأعمال الفنية بفنانيها، إضافة إلى تفسير تفاصيل المقتنيات المتوافرة داخل الصالات.

أولئك الشبّان والشابات كانوا على موعدٍ يسبق انعقاد البينالي؛ إذ استطاعوا في مدة وجيزة التعرف على تفاصيل المكان حيث صالة الحجاج ذات الرمزية اللافتة في الاختيار؛ ليقضوا ساعاتٍ تبدأ من الثالثة عصراً حتى الثامنة مساءً وأحياناً إلى العاشرة ليلاً، في التحضير العملي والإلمام بالآثار المتوزعة في أرجاء المعرض.

قضى هؤلاء المرشدون وقتاً على الأرجح أنه ليس بطويل، مقارنةً مع ما يضمه بينالي الفنون الإسلامية من تحف ومقتنيات ومخطوطات وآثار لافتة؛ إذ شرعت الجهة المنظمة للحدث ذاته "بينالي الدرعية" في استحداث دورات مكثفة مدة أسبوع من أجل استكشاف معاني بعض الأعمال، والتعرف على فنانيها، والإلمام بالمقتنيات والتحف الفريدة، بجانب توزيع الكتب لأولئك المنظمين التي توفر شرحاً للقطع التراثية واللوحات الفنية.

استقالة بلا ندم

لم يتردد فارس إلياس، طالب في تخصص السياحة والآثار حينما عرف عن إقامة بينالي الفنون الإسلامية بنسخته الأولى، في الاستقالة من عمله الجزئي، مشرفاً في إحدى المقاهي؛ من أجل خوض تجربة عمل جديدة ذات علاقة مباشرة مع صميم تخصصه الجامعي. لا يخفي فارس محبته بالآثار؛ وهو الأمر الذي دعاه إلى اتخاذ قرار لافت في شأن تركه لعمله السابق، يقول: أحب اكتشاف الآثار، ولا يتوافر مكان أستطيع عبره رؤية أشكالها كافة غير "أول بيت". أنا سعيد جداً.

يضيف إلياس، إنه ليس من السهولة محاولة الإلمام بـ 280 قطعة أثرية داخل بينالي الفنون الإسلامية خلال وقت وجيز، غير أني أطمح إلى الاستيعاب والإدراك الكبيرين لتفاصيل الآثار والفنون المتوافرة في صالات العرض، فهذه خطتي منذ بدء الحدث الفني، كما أني أرغب في معرفة الآثار بعمق، واستكشافها.

دورة مكثفة ومعلومات ثرية

وحينما تجولنا داخل إحدى صالات العرض الأربع، بدا ماجد الشهراني، خريج الهندسة الإلكترونية، يسكب كلمات الترحيب بوفرة للزائرين منهمكاً في شرح تفاصيل أعمال الفنان المغربي مبارك بوحشيشي، وبعدئذ حينما فرغ من الذين حوله، بدا يروي لنا حكايته، قائلاً: حرصت الجهة المنظمة للحدث على توفير كتاب بعدد 200 صفحة، تضم صفحاته شرحاً عن الآثار والأعمال وأسماء الفنانين، الغاية منه الفهم أكثر من الحفظ، وقبيل انطلاق أول بيت استطعنا الحصول على دورة مكثفة خلال أسبوع وحقاً كانت مليئة بالمعلومات الثرية، بجانب حصولنا على فرصة التدريب الميداني للتعرف على صالات العرض ومحتوياتها، مضيفاً أنني أحرص كل يوم على تقديم معلومة جديدة للزائر، فيما تبهرني ردة فعل الزوار.

نتعاون فيما بيننا

من جهتها، ترى ابتهال الحازمي طالبة في تخصص إدارة الفعاليات، أنها حرصت على الانضمام إلى بينالي الفنون الإسلامية، بمجرد معرفتها عن إقامته، فيما تصف أنها خضعت هي وزملاؤها وزميلاتها إلى تدريب مكثف يبدأ من الثالثة عصراً حتى العاشرة ليلاً، تدور عناصره ضمن إطار معرفة التصاميم الخارجية والفن، ومحتويات المعرض، وتقول إنها ما زالت حتى الآن تعيد استذكار تلك المعلومات التي استقتها خلال الدورة المكثفة، مضيفة أنها بمعيّة زملائها يتعاونون فيما بينهم من أجل محاولة استيعاب عناصر "بينالي أول بيت".

الشغف معيار الاختيار

أما زميلتها ياسمين طالبة التمريض؛ فإنها خلال الأسبوع الذي تقرر انعقاد الدورات التعريفية لـ أول بيت، حاولت التوفيق بين رغباتها التعليمية والمهنية، بتنظيم وقتها من أجل العمل داخل أضخم بينالي يغوص داخل فنون العالم الإسلامي؛ إذ كانت تحضر محاضراتها في الجامعة حتى فترة الظهيرة، ثم قضاء وقت قصير للاستراحة والاستعداد للحضور إلى التدريب المعرفي في صالة الحجاج.

تقول ومن خلفها مقتنيات أثرية نادرة، حرصنا خلال الأسبوع الأول على الحفظ والاستذكار والاستزادة المعرفية من خلال الكتب التي وُزعت لنا؛ إذ تضم معلومات عن النوادر التراثية كافة وتفاصيل الأجنحة، وإذا حضرنا إلى مقر البينالي فإننا نبدأ بالتجول الميداني على أرجاء الصالة والمعارض التي تضمها.

وفي المقابل، تضيف حينما أعود إلى المنزل فإنني أعكف أيضاً على مراجعة الكثير من التفاصيل، مشيرة إلى أن زملاءها الذين يعملون معها اختيروا بعناية فائقة إذ إن الشغف هو معيار الاختيار بالنسبة للجهة المنظمة، بينالي الدرعية؛ لافتةً إلى أنها بمجرد انتهاء فترة اختباراتها الجامعية ستكثف قراءتها بشكل لافت في التراث والتاريخ حتى يتسنى لها إرشاد الزائرين بصورة أكبر.

ويُقام بينالي الفنون الإسلامية على مساحة تزيد على 118 ألف متر مربع، في رحلة تُجدّد الأحاسيس والذكريات عبر صالات العرض الأربع ومعرض المدار وجناحين، حيث يحتفظ الموقع بأهمية خاصّة تتمثّل في كونه مُنطلقَ رحلة العمر لملايين المسلمين من كل أنحاء العالم؛ ليحثهم على استحضار تاريخ وثقافة وتراث المكان في رحلة تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل.