بدأت حمى الأعمال الدرامية التاريخية بالارتفاع، مع اقتراب موسم شهر رمضان المبارك، متزامنًا مع حالة الجدل السنوي، حول عدد من أبرز الأعمال التي تناقش قضايا تاريخية، أو يُمكن أن تثير شخصياتها جدلاً في الأوساط.
وهذا العام له نصيبه من ذلك، كالأعوام السابقة، إذ يقف مسلسل يحكي سيرة الصحابي معاوية بن أبي سفيان، في صدارة الأعمال المنتظرة هذا العام، لكن الجدل حوله، ملأ ساحات النقاش الفني والتاريخي، بين مَن أحبوا توثيق سيرة منتقاة للصحابي، الذي تقول بعض الروايات: إنه أسس لأول سلالة حاكمة في التاريخ الإسلامي، وقاد الدولة العربية الأكثر اتساعاً في التاريخ، وبين مَن لا يرون في شخصية معاوية إلا كونه قائد إحدى الفئتين اللتين تقاتلتا في العصور الأولى للإسلام.
ويفتح الحديث حول المسلسل التاريخي الحالي المثير، الباب على مصراعيه، للنقاش حول المسلسلات وكافة الأعمال الدرامية التاريخية، بدءاً بفيلم صلاح الدين للمخرج المصري يوسف شاهين، والذي تعمد فيه المخرج، أن يتحدث أبطال العمل فيه باللهجة المحكية القريبة من الفصحى واللهجة المصرية، غير أن العلامة الفارقة للأعمال التاريخية تبقى للفيلم العالمي "الرسالة" ذاك الذي أخرجه المخرج مصطفى العقاد، وضم نجوماً عرباً من مختلف الأقطار في نسخته العربية، ونجوماً عالميين في النسخة الإنجليزية، من طينة الممثل الأمريكي أنطوني كوين، والذي خاض تجربةً تاريخية أخرى، مع ذات المخرج في فيلم عمر المختار.
وبالعودة قليلاً للوراء، والنظر للسنوات الماضية، فقد تحولت فترة الثمانينيات من القرن الماضي دفة الأعمال الفنية إلى المسلسلات بقوة الإنتاج القادم من الخليج ومن استوديوهات عجمان ودبي، وقبلهما الكويت وبغداد، في إنتاج أعمال درامية سنوية تواكب الشهر الكريم، البعض منها أشار إلى فترات التاريخ الإسلامي الحافل بالقصص، بينما برزت تجربة سينمائية واحدة في تلك الفترة، تمثلت في فيلم "القادسية"، وهي من إنتاج عراقي، إبان الحرب العراقية الإيرانية، مجسداً الانتصار العربي والإسلامي على الدولة الفارسية.
وفي خضمّ تلك التجارب، واصل الإنتاج المصري للأعمال التاريخية صدارته المعهودة، ليقود في التسعينيات جملة الأعمال النابشة في التاريخ، مع كُتاب نصّ مثل محفوظ عبد الرحمن، ممن قدموا قراءاتهم لأبرز العصور الإسلامية، في مسلسلات، كـ"عمرو بن العاص"، و"عمر بن عبدالعزيز" و"هارون الرشيد"، وهي أعمال قام ببطولتها النجم الراحل نور الشريف، بينما حاول فيها القائمون عليها، ملامسة التوافق التاريخي حول هذه الشخصيات.
وكان عام 2000 وما بعده إيذاناً بعهدٍ جديدٍ في الدراما العربية، قادته الدراما السورية، بتصورٍ جديد للأعمال، خصوصا التاريخية منها، مع مستوى ضبطٍ أعلى للغة العربية، ولغة حوارٍ أكثر قدرة على الوصول.
ويمكن استذكار ما أنجزه المخرج الراحل حاتم علي، والكاتب وليد سيف، كأكثر السلاسل الفنية الجاذبة في تاريخ الدراما العربية، بدءاً بمسلسل "صقر قريش"، الذي يروي قصة مؤسس الدولة الأموية في الأندلس عبدالرحمن الداخل، ثم "ربيع قرطبة"، الذي يحكي العصر الذهبي للأندلس، وصولاً إلى "ملوك الطوائف" الذي يحكي حال التشرذم العربي في بلاد إيبيريا.
ويبقى هناك أعمال تاريخية جامعة للإنتاج العربي، مثل مسلسل "الحجاج" للمخرج الأردني محمد عزيزية، وكذلك مسلسل "عمر" وهو من إنتاج سعودي قطري، ويحكي سيرة أحد أبرز الخلفاء المسلمين والمؤسسين لدولة الخلافة الراشدة.