بدأت رياح التغيير تعصف بالعلاقة الأزلية بين باريس والعديد من العواصم الإفريقية بعد 6 عقود من الاستعمار الفرنسي لهذه الدول، وأدى تخوف فرنسا من فقدانها نفوذها إلى ذهاب الرئيس إيمانويل ماكرون للمنطقة لترميم العلاقة.
ارتباط وثيق
الدول الإفريقية التي ترتبط مع فرنسا، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، تضع أكثر من 85% من مداخيلها تحت رقابة البنك المركزي الفرنسي، وتضخ 50% من احتياطيها إلى باريس.
تتحكم فرنسا أيضاً في اقتصاديات عدد من الدول الإفريقية من خلال "الفرنك الإفريقي" الذي يستخدم كعملة في منطقتين نقديتين مختلفتين في إفريقيا منذ عام 1945، وهما الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا والمجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا.
رغم الارتباط الطويل بين فرنسا وإفريقيا إلا أن العلاقة تشهد جموداً كبيراً، خاصة في ظل الاتهامات الموجهة لها بدعم أنظمة ديكتاتورية، والنظر إليها بأنها ترغب في الاستفادة من ثروات القارة، كما ألغت بعض الدول الاتفاقيات العسكرية مع باريس من جانب واحد.
محاور محايد
المخاوف من فقدان النفوذ التقليدي لفرنسا، فيما تبقى لها من إفريقيا، دفعت بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للذهاب إلى المنطقة، حيث يسعى إلى إعادة ترتيب الأوراق هناك من خلال الرسائل العديدة التي أطلقها وأبرزها طيّ صفحة الماضي مع القارة والتحول إلى محاور محايد.
وحرص ماكرون على التحدث إلى الجميع وعدم التدخل في المنازعات السياسية الداخلية، كما أعلن أيضاً انتهاء عهد "فرنسا-إفريقيا" حيث يحمل المصطلح دلالات سلبية إذ يُستعمل لوصف العلاقات المعقّدة التي ربطت فرنسا بمستعمراتها السابقة بعد استقلالها.
وكان الرئيس الفرنسي تعهد بعد إعادة انتخابه بإعطاء إفريقيا أولوية في أجندة الدبلوماسية الفرنسية والأوروبية.
صراع عالمي
تشهد القارة الإفريقية في الوقت الراهن صراعاً عالمياً، حيث تمكنت موسكو من إخراج الفرنسيين من العديد من المناطق الإفريقية، أهمها مالي المستعمرة الفرنسية السابقة؛ مما اضطرت باريس لتقليص عدد قوات بلادها بنسبة 50%، بالإضافة إلى الانسحاب تماماً من مدن تيساليت، وكيدال، وتومبوكتو في الشمال المالي.
كما دخل الروس في إفريقيا الوسطى التي كانت فرنسا تملك فيها نفوذاً يمكنها من اختيار كبار المسؤولين لتضطر باريس إلى مغادرتها على وقع الاحتجاجات الشعبية المنددة بهيمنتها على الموارد الاقتصادية.
منافسة كبيرة
محاولات فرنسا رتق العلاقة مع الدول الإفريقية لن يكون سهلاً في ظل التحركات الروسية، حيث تزامنت زيارة ماكرون مع جولة يقوم بها وزير الخارجية الروسي أيضاً لعدد من العواصم في المنطقة.
الصين أيضاً أصبح لديها نفوذ كبير من خلال تدفقاتها الاستثمارية في مختلف المجالات وخاصة البنية التحتية، حيث أصبحت أكبر مستثمر في الأسواق الإفريقية، كما أن قروضها التنموية الممنوحة للعديد من الدول في القارة خلق لها شعبية كبيرة.